أخبار الطيبةهذه طيبتي

هذه طيبتي- وقفة مع نسف منزل المناضل قائد ثورة 36 عارف عبد الرازق

يتناول المؤرخ المربي صدقي إدريس، في هذه الحقلة الجديدة من برنامج هذه طيبتي، سيرة  احد  قادة الثورة الفلسطينية الكبرى (ثورة 1936 – 1939) ودعاتها، المشارك في كل الثورات السابقة منذ 1921، المناضل عارف عبد الرازق (أبو فيصل)، إبن قرية الطيبة، قضاء طولكرم ، ونسف منزله في الطيبة اوالغرامة المالية الباهظة التي فرضتها الجيش الإنجليزي على  الأهالي حينها .

في مطلع شبابه، عارف عبد الرازق، شارك في هبة الشيخ شاكر أبو كشك ضد المستعمرات اليهودية في منطقة الساحل.  وقد ورد في تقرير للوكالة اليهودية أنّه في 3 أيار/مايو 1921 م، اشترك عارف عبد الرازق في الهجوم على بتاح تكفا ووقف على رأس خمسين رجلاً، وكان يلبس زي الكشافة مسلحًا ببندقية ومسدس ومنظار.

وشارك في هذا الهجوم أيضًا الآلاف من الشبان والرجال العرب الذين جاءوا من قلقيلية والطيرة والطيبة وطولكرم وغيرها، وكان منهم الشيخ نجيب عبد المنان من الطيرة الذي سقط عن جواده وأصيب بسكتةٍ قلبيةٍ ومات إثرها. وقد فشل الهجوم العربي جرّاء تدخل الجيش البريطاني، الذي كان أغلب جنوده من الهنود، وألقى الإنجليز القبض على الشيخ شاكر أبو كشك، وحاكموه لاحقًا، وحكموا عليه بالسجن وبدفع غرامة باهظة، وقد سقط في هذه الهبّة من الجانب العربي قرابة الثلاثين شهيدًا.

في سنة 1933انضم عارف عبد الرازق إلى منظمة “مؤتمر الشباب” بزعامة يعقوب الغصين، وكان رئيسًا لفرع هذه المنظمة في منطقة الطيبة. اعتُقل عدة مرات قبل نشوب الثورة جرّاء نشاطه السياسي في صفوف أنصار المفتي، الحاج أمين الحسيني، ثم تفرغ للعمل في الحقل الاجتماعي.

عند نشوب الثورة في شهر أيار/مايو 1936 م، شَكَّلَ عارف عبد الرازق فصيلاً من المجاهدين، وراح يهاجم الجيش والمستعمرات اليهودية وينسف الجسور والقطارات، ثم شارك مع فصيله في معركة نور شمس التي وقعت في 21 حزيران/يونيو 1936 م؛ وشارك في معركة بلعا الأولى التي وقعت في 10 آب/أغسطس 1936 م.

تولى قيادة الثورة في المنطقة الوسطى من فلسطين، فاستبسل في القتال ضد العدوين: البريطاني والصهيوني، وكانت بإمرته عدة فصائل من المجاهدين من قرى الطيبة، والطيرة، وقلنسوة، وكفر عابود، وكفر صور، وخربة عزون. وبرئاسة حمد زواتا وفارس العزوني ومحمد عمر النوباني وآخرين. كما أن منطقته هي التي كانت تمد، بالسلاح والمجاهدين، منطقة الساحل بقيادة حسن سلامة، ومنطقة القدس بقيادة عبد القادر الحسيني.

قاد عارف عبد الرازق حملات كثيرة على المستعمرات الصهيونية وعلى محطة رأس العين وهاجم مراكز الشرطة وقوات الانتداب واشتبك معها في معارك عتيقة، وقد رصدت حكومة الانتداب مكافأة لمن يلقي القبض عليه.

وفي 20 تشرين الأول/أكتوبر 1937 نشرت جريدة فلسطين خبراً من الطيبة أرسله مراسلها الخاص، يفيد بوصول بعض جباة المال من موظفي الحكومة بطولكرم إلى القرية ومعهم نفر من الدرك ، وأنّهم أخذوا يطوفون على السكان لجمع 150 جنيهًا، وهي مبلغ الغرامة التي فرضتها السلطة على البلدة بسبب عدم قيامها بتسليم السيد عارف عبد الرازق ورفاقه، ويقول المراسل بأنّهم لقوا صعوبة كبيرة في جمعها لسوء الحالة الاقتصادية، فأنذروا كل من يتخلف عن الدفع بحجز أملاكه.

 وقد أوردت صحيفة فلسطين في 24 تشرين الأول/أكتوبر 1937 م خبراً مفاده أن قوة من الجند في السيارات العسكريّة ذهبت في الصباح الباكر إلى قرية الطيبة، ومعها المستر فوت حاكم لواء نابلس، وهناك طوقت هذه القوة القرية وشرعت في تفتيش البيوت تفتيشًا دقيقًا.

وفي 2/ 11 / 1937 م، نشرت صحيفة فلسطين خبرًا جاء فيه: “زادت قيادة الشرطة عدد أفراد الشرطة الإضافية في الطيبة من 15 شرطيًا إلى 25 شرطيًا، وفرضت على السكان دفع معاشاتهم ومقدارها ثمانية جنيهات للشرطي وعشرة جنيهات للعريف الذي يرأسهم، وفرضت أيضًا على القرية دفع مبلغ 250 جنيهًا ثمن 25 بندقية للشرطة، ودفع أجرة البيت الذي احتلته الشرطة وهو بيت علي القاسم.

من الثابت تاريخيًا أنه فُرِضَت على الطيبة غرامة أكثر من مرة بسبب عارف عبد الرازق ونشاطه المسلح، فقد نشرت صحيفة فلسطين بتاريخ 18 كانون الأول/ديسمبر 1937 م خبراً مفاده أن الحكومة قررت، بعد أن هاجم عارف قوة من البوليس الإضافي في الطيبة، اتخاذ التدابير التالية:

– نسف دار عارف عبد الرازق
– فرض غرامة جماعية كبيرة على القرية
– وتعزيز الشرطة الإضافية بزيادة عددها.

وفعلاً، نُسِفَت دار عارف في 24 كانون الأول/ديسمبر 1937م، وفُرِضَت على الطيبة غرامة مقدارها 1500 جنيه، فرفض السكان دفعها، وسلَّموا المخاتير مفاتيح بيوتهم وتركوا البلدة عشرة أيام، وعندها اضطرت السلطات إلى إلغاء هذه الغرامة. أهلته شخصيته لتولي مهمة إصدار الأوامر، باسم الثورة الفلسطينية، بإعدام الأشخاص الذين تثبت خياناتهم للثورة، وكان يوقع بياناته وأوامر باسم “المتوكل على الله – عارف عبد الرازق”، و يمهرها بختم “القيادة العامة لجيش الثورة في سورية الجنوبية”. وهو أيضاً من قادة الثورة الذين وقعوا على بيان، أكدوا فيه، إن الثورة ستضرب بيد من حديد على كل من تسول له نفسه إلقاء الرعب والقلق في نفوس الناس، أو سلبهم أموالهم، أو محاولة الانتقام والكيد الشخصي للإيقاع بهم.

في سنة 1938 م، أصبح عارف عبد الرازق قائدًا لعدد كبير من الفصائل الثورية المسلّحة، إذ امتد نشاطه ليشمل ناحية بني صعب والسهل الساحلي وقسم من ناحية الشعراوية وقضاء يافا واللد والرملة، ووصلت الفصائل التي كانت تنشط تحت إمرته مشارف القدس جنوبًا. وكانت العلاقة خلال هذه المرحلة من الثورة بين القائدين عارف عبد الرازق وعبد الرحيم الحاج محمد مبنيّة على التنافس، إذ تمركز عارف في منطقة بني صعب، بينما تمركز عبد الرحيم في منطقة وادي الشعير، ففي تقرير لجاسوس عربي مُؤرّخ في 21 آذار/مارس 1938 م كتبه لصالح استخبارات الوكالة اليهودية، ومحفوظ في الأرشيف الصهيوني المركزي، ورد قوله: «إن العلاقات بين عبد الرحيم الحاج محمد وعارف عبد الرازق ليست جيدة. أما السبب في ذلك فيعود إلى الكراهية القديمة القائمة بين منطقة الشعراوية وادي الشعير ومنطقة بني صعب التي منها عارف، وحسب ذلك فقد قسَّموا مناطق النفوذ، فليس يدخل هؤلاء إلى منطقة هؤلاء، خوفًا من الوشايات والتسليم، ويحافظ كل طرف على البقاء في منطقته، وقد حاول رجال طولكرم التوسط بين الاثنين ولكنهم لم ينجحوا في ذلك. وفي تقرير آخر مُؤرّخ في 23 تمّوز/يوليو 1938 ورد فيه أنّ وضع القائد عبد الرحيم الحاج محمد قوي وثابت، وأنَّ عارف عبدالرازق يُجهد نفسه في المقابل لكي «يحصل على تخويل من خارج البلاد بأن يكون القائد العام للثورة. ويقول كاتب التقرير إنّ «رجال البلاد لا يميلون إلى تحقيق رغبته هذه.

في 13-14 أيلول 1938 كان عارف من الذين حضروا مؤتمر دير غسانة الكبير لقادة الثورة، ، مع عبد الرحيم الحاج محمد وحسن سلامة ومحمد صالح الحمد وغيرهم، وقد التحق به فريد يعيش، إثر تخرجه من الجامعة الأمريكية في بيروت، مستشاراً له وأوكل إليه أمانة سر القيادة. وذلك لرأْب الصدع بين قادة الفصائل الكبار، ولتجميع الصفوف، وللبت في مسألة القائد العام، يقول د. نمر سرحان ود. مصطفى كبها في كتابهما «عبد الرحيم الحاج محمد » استنادًا إلى تقرير كتبه يهودي حضر الاجتماع متنكرًا بصفة ثائر: «يتّضح بأنه في اجتماع كبار القادة الذي عقد في بيت عمر الصالح البرغوثي، تم تثبيت التعيين الذي حصل عليه عبد الرحيم الحاج محمد كقائد عام للثورة في فلسطين في مطلع عام 1938 م أثناء وجوده في دمشق، على أن يكون هناك مجلس قيادي يتولى رئاسته أحد أعضائه بشكل دوري. و قد شَكَّلَ قادة الفصائل المذكورين أعضاءَ هذا المجلس، وانضم إليهم فيما بعد القائد عبد الفتاح محمد مسئولاً عن الجباية والتموين. لم ينجح اجتماع دير غسّانة في تحقيق أهدافه فقد هاجمت القوات البريطانية المجتمعين، فانفضّ الاجتماع دون إصدار بيان رسمي، فعاد الوضع بعد الاجتماع إلى ما كان عليه من قبل، بحيث تمترس كل قائد في منطقة نفوذه، ولم يجرِ توحيد للفصائل المجاهدة تحت قيادة موحّدة، ولم ينشأ بين القادة تعاون أو تنسيق.

وفي 19/11/1938 نشر، باسم ديوان الثورة في سورية الجنوبية، تعليقات إلى رؤساء الفصائل يحظر فيها على أي رئيس فصيل أو مجاهد أن يقبل النظر في الدعاوى أو الخلافات، قائلاً: إن “واجبكم هو عسكري فقط، وهو جهاد في سبيل الله ورسوله وفي سبيل القضية الوطنية”، وحظر فرض الغرامات، وأنذر من يخرج على هذا. وكان أحد الموقعين على بيان قادة الثورة في 3/12/1938 رداً على بيان وزير المستعمرات البريطاني حول سياسة الحكومة البريطانية في البريطانية في فلسطين إثر صدور تقرير لجنة وودهيد، وجاء فيه بعد سوق الحجج والبراهين على سوء نية بريطانية:

“لهذا كله لا يرى ديوان الثورة العربية في أقوال الحكومة البريطانية وتصاريح وزيرها بارقة تدل على حسن نيتها في تحقيق مطالب العرب وميثاقهم القومي. هذا وسيظل المجاهدون يكافحون قوى السلطة الغاشمة، ومستميتين غير متراجعين، إلى أن تنال الأمة العربية في فلسطين حقوقها كاملة غير منقوصة”.

كان القائد عارف عبد الرازق يُلقِّبُ نفسه بالمتوكل على الله ويُوقِّع بياناته باسم القائد العام لجيش الثورة في سورية الجنوبية، أي فلسطين، والقائد العام للثورة العربية الكبرى في سورية الجنوبية. وهو القائد الوحيد الذي أصدر منشورات باللغة الإنكليزية، كان أحدها مُوجّهًا إلى الجنود البريطانيين في فلسطين، وأصدر منشورًا آخر باللغة العبرية مُوجّهًا إلى اليهود داخل فلسطين وخارجها، وقد نشرته صحيفة كول هعام في نشرتها .

وكانت هذه المناشير تُطبعُ على الآلة الكاتبة، وقد لاقت رواجًا وانتشرت انتشارًا كبيرًا. ودأب عارف عبد الرازق على نشر تعاليمه إلى قادة الفصائل والمجاهدين بواسطة مناشير مطبوعة.  نَفَّذَ عارف وفصائله عمليات جريئة وكثيرة ضد الجيش الإنكليزي والبوليس وأعوانهما ذكرها جميعها ابنه فيصل في كتابه “أمجاد ثورية فلسطينية”.

في الحقيقة فقد كان عارف شخصية مركزية في الثورة، وهو يستحق دراسة خاصة، فالأبحاث التي تطرقت إلى سيرته شوّهت صورته وألصقت به شتّى التّهم، منها أنه كان من أصحاب السوابق والجنايات، وأنه استغلّ منصبه لجمع الأموال. وهذه التهم بلا شك ملفّقة، وخير دليل على ذلك ما كتبه تسفي البيلغ في كتابه الثورة العربية الفلسطينية كان “أبو فيصل” بعيدًا عن التواضع الذي تحلّى به أبو كمال عبد الرحيم الحاج محمد، وأحبّ أن يتزيّن بألقاب رفيعة، وحتى بزيّ ضابط من الجيش البريطاني، ولكن من خلال ما يتضح من شهادات أبناء قريته، فقد كان ذا دوافع وطنية، فهو ابنٌ لعائلةٍ رفيعة النسب في منطقة بني صعب، جنوبي طولكرم.

وكان أخوه الأكبر محمد أولَ من تلقّى ثقافة أكاديمية في الجامعة في بيروت من بين أبناء بلده، بينما كان هو نفسه وكذلك إخوته التسعة الآخرون قد تلقوا تعليمًا ثانويًا أو ثانويًا زراعيًا…. وقد رأى فيه أبناء بلده مناضلاً وطنيًا، وظلّ ركام منزله الواقع في مركز قريته، والذي هدمته السلطات البريطانية، في مكانه دون أن يُمسّ، وظلّ الناس لأعوام طويلة بعد أن خمدت الثورة يشيرون إليه باعتزاز. هذا ومن الجدير بالذكر أن تسفي البيلغ طلب من رئيس قسم التسجيل الجنائي القيام بفحص ماضي كل من: عارف عبد الرازق، عبد الرحيم الحاج محمد، وعبد القادر الحسيني، فأعلمه خطيًا بأنه بعد فحص الملفات تبين أنهم غير واردين في ملفات قسم التحقيق الجنائي، مما يُثبت على حدّ قول تسفي البيلغ بأن نواة الثورة قد تكونت من رجال كانت دوافعهم الوطنية لا يتطرق إليها الشك.

أمّا القبض على عارف فقد فشلت السلطة فيه، لأنّه كان عادةً ما يلبس ملابس امرأة محجبة فيتملص من الطوق. فقد توجه متسللاً إلى سورية وسلم نفسه للسلطات الفرنسية التي لم تعترف به لاجئاً سياسياً بل أبعدته إلى تدمر الصحراء السورية ثم لم تلبث تتفاوض مع البريطانيين لتسلمه إليهم وقد بلغته أخبار تلك المفاوضات واستطاع أن يهرب إلى العراق، الذي أنزلته حكومتها في ضيافتها، إلى أن قامت ثورة رشيد عالي الكيلاني فشارك فيها ولما هزم العراق ودخل البريطانيون بغداد فر إلى إيران ثم إلى تركيا ومنها وصل إلى ألمانيا حيث أقام فيها مدة، انتقل بعدها للاستقرار في صوفيا عاصمة بلغاريا حيث توفي فيها سنة 1944 غربياً مريضاً ودون أن يشعر أحد ولم يعلم أبناء وطنه بوفاته إلا بعد انتهاء الحرب.

وقد أقام له أهل فلسطين مأتماً عظيماً في طولكرم شاركت فيه وفود من جميع أنحاء البلاد.

المناضل عارف عبد الرازق


tn1 (1)

tn1 (2)

tn1 (3)

tn1 (4)

tn1 (5)

tn1 (6)

tn1 (7)

tn1 (8)

tn1 (9)

tn1 (10)

tn1 (11)

tn1 (12)

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *