أخبار عالميةالعالم العربي

مصر- هل يمنح الأقباط تأييدهم للسيسي مجددا ؟

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يحظى بتأييد كبير من قبل الأقباط في مصر خلال الإطاحة بنظام الرئيس الإسلامي محمد مرسي في 2013 ووصوله إلى الحكم في 2014. ووعد السيسي خلالها هذه الأقلية المسيحية التي تمثل 10 بالمئة من سكان مصر، بحمايتها وإعطائها جميع الحقوق في ظل هجمات إرهابية وسياسات تمييز كانت تعيش فيها منذ سنوات. فهل سيمنح الأقباط ثقتهم وتأييدهم للسيسي مجددا في هذه الانتخابات الرئاسية؟

مصر: هل يمنح الأقباط تأييدهم للسيسي مجددا في الانتخابات الرئاسية؟
يواصل الناخبون المصريون الثلاثاء الإدلاء بأصواتهم في انتخابات رئاسية ينظر إلى نتيجتها كثير من الخبراء والمراقبين على أنها محسومة تماما للرئيس المصري الحالي عبد الفتاح السيسي، ويرجع ذلك إلى غياب المنافسة. الرهان الحقيقي بهذه الانتخابات هو نسبة المشاركة الشعبية فيها لأنها معيار ومقياس الشرعية بالنسبة للرئيس عبد الفتاح السيسي. غير أن الرئيس الحالي يتمتع بشكل استثنائي بشعبية مريحة في أوساط الأقباط المصريين الذين يشكلون 10 بالمئة من السكان البالغ عددهم أكثر من 100 مليون نسمة. فما سر هذه الشعبية وهل تصل إلى درجة التأييد بلا حدود؟

العلاقة بين المسلمين والأقباط

العلاقة بين المسلمين والمسيحيين في مصر تتميز بشيء من التعقيد الشديد وخاصة في العقود الخمسة الأخيرة، وهي الفترة التي ازدادت فيها الحوادث الطائفية والاشتباكات بين الطرفين وظهر فيها مصطلح “الفتنة الطائفية” أو “المسألة القبطية”. ويشكو الأقباط المصريون – أكبر أقلية مسيحية في الشرق الأوسط – من سياسات تمييزية بحقهم، فالدولة المصرية لا تعطيهم بسهولة تصاريح بناء الكنائس ودور العبادة أو حتى ترميمها وإصلاحها وتخضع في مجملها لمواد قانون صدر من الدولة العثمانية في العام 1865 ويسمى “بالخط الهمايوني” ثم قانون “الشروط العشرة” الصادر في العام 1934. كما أنهم ينتقدون عدم حصولهم أو وصولهم لأية مناصب عليا في الدولة تتناسب مع عددهم السكاني، ويطالبون بنسب ثابتة من التمثيل في المجالس النيابية والبرلمانية. كما يعترضون على دخول المسيحيين في الإسلام بالقوة أو الترغيب.

وترجع معظم الأسباب وراء هذا العنف المتبادل بين المسلمين والأقباط إلى خلافات تتعلق ببناء الكنائس أو تغيير الديانة، إلا أن حقبة الثمانينيات شهدت موجة غير مسبوقة وغير مبررة من العنف تجاه الأقباط وتجاه ممتلكاتهم ومحالهم ومنازلهم ارتبطت بصعود المد الديني وانتشار الجماعات الإسلامية المتشددة التي كانت ترى في المسيحيين (أو النصارى كما كانت تدعوهم) عنصرا دخيلا على البيئة الإسلامية وكفارا يجب التخلص منهم. وانتشرت الدعوات في هذه الحقبة إلى مقاطعة المسيحيين وعدم التعامل معهم، وهو ما كان سببا آخر في تصاعد الاحتقان الطائفي في البلاد ومبررا لانسحاب الأقباط من الحياة العامة خاصة بعد اتهامهم الدولة ومؤسساتها بالتواطؤ في اضطهادهم.

استمر العنف تجاه الأقباط في العقود التالية لأسباب أخرى، وكان من أهمها فشل الدولة في علاج المسألة القبطية ولجوؤها لمجالس المصالحة العرفية في حل الخلافات بين الأقباط والمسلمين دون التطرق لجذور المشكلة وإعلاء مبدأ سيادة القانون في مثل هذه الأحوال وهي الجلسات التي أصبحت تثير امتعاض الجانب القبطي، وكذلك اكتفاؤها بحلول جزئية عرضية تبقي نار الخلاف مستعرة بين الطرفين. كان سلاح الدولة الوحيد في مقاربة المسألة القبطية هو “الوحدة الوطنية” والتأكيد على الوئام بين المسلمين والأقباط مع ظهور إعلامي لشيوخ من الأزهر وقساوسة من الكنيسة القبطية جنبا لجنب.

ثورة يناير… تفاؤل وأمل

تفاءل الأقباط كثيرا بعد ثورة يناير 2011 والإطاحة بنظام مبارك، وساد شعور باتجاه البلاد نحو إصلاحات سياسية تضمن لجميع أبناء الوطن حقوقا متساوية بغض النظر عن دياناتهم، لكن البلاد دخلت في دوامة من الفوضى وشهدت صعودا مثيرا لقلق الأقباط من التيارات السلفية والدينية المتشددة التي ما فتئت تهاجمهم وتحرض عليهم علانية في قنواتها الخاصة. وكان انتخاب الرئيس الإسلامي محمد مرسي عاملا ساهم في تنامي مخاوف الأقباط وخاصة بعد انتشار الحديث عن إنشاء دولة إسلامية بمصر وهو ما يعني انتكاسة للحقوق المدنية للأقباط وتحويلهم إلى مواطنين من الدرجة الثانية.

وهو ما ساهم في تأييدهم بصورة علنية لتحرك الجيش في 3 يوليو/تموز 2013 ضد الرئيس محمد مرسي وإزاحته عن سدة الحكم خاصة بعد مشاركة البابا تواضروس، بطريرك الكنيسة القبطية، إلى جانب شيخ الأزهر في الإعلان عن إسقاط مرسي. وهكذا أصبح السيسي بطلا قوميا في عيون الأقباط وغيرهم من شرائح المجتمع المصري التي كانت ناقمة على “الإخوان المسلمون”. وعندما ترشح السيسي للرئاسة لاقى موافقة وتشجيعا قبطيا هائلا وتأييدا لبرنامجه الرئاسي.

وعود السيسي

كان رد السيسي على التأييد القبطي له متمثلا في الكثير من الوعود بشأن حماية الأقباط ومنع الاعتداءات المتكررة ضدهم ووصفهم بشركاء الوطن، وإعادة بناء الكنائس المتضررة من العنف والتخريب وكذلك إصدار قانون جديد عن “بناء دور العبادة الموحد” يرفع القيود عن حرية بناء الكنائس وترميمها. كما أصبحت زياراته متكررة للكنيسة وحرصه على الظهور والمشاركة في الأعياد القبطية أمرا ضروريا له، إضافة إلى تشجيعه للإسلام الوسطي ونبذ التشدد والتطرف.

هذه الوعود وهذا التفاؤل القبطي كانا وراء الدعم غير المحدود للرئيس السيسي من الأقلية القبطية، وهو ما ظهر جليا في انتخابات العام 2014. ولخص الكاتب القبطي كمال زاخر في حديث لقناة العربية قائلا: “إننا نحتاج من الرئيس القادم أن يترجم وعوده الانتخابية للأقباط إلى واقع ملموس وحقيقي، خاصة بعد أن تم تهميشهم خلال الفترة الماضية وتعرضوا لظلم كبير”.

واليوم يترشح السيسي لفترة رئاسية ثانية ولا يزال الدعم القبطي حاضرا في المشهد السياسي للبلاد وإن كان هذه المرة قد فقد بعضا من زخمه القديم؛ بسبب الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تطال الجميع، وأحوال الأقباط ليست على ما يرام كما لا يزال العنف الطائفي مستمرا وبلغ درجات عالية من الخطورة وامتزج بالإرهاب الذي يضرب البلاد منذ عدة سنوات، ووصل حتى إلى داخل الكاتدرائية المرقسية بالقاهرة في 11 ديسمبر/كانون الأول العام 2016 في هجوم انتحاري أدى إلى مقتل 29 شخصا بينهم أطفال. كما تميز العام 2017 بتصاعد وتيرة العنف الإرهابي والهجمات المسلحة ضد الأقباط بدرجة كبيرة، وهي الهجمات التي راح ضحيتها ما لا يقل عن 83 قبطيا.

ستكون هذه الانتخابات إذن شاهدا على ثبات أو اهتزاز التأييد القبطي للرئيس السيسي خاصة في وجود تململ في الأوساط المسيحية من تلكؤ الدولة في معالجة المسألة القبطية وتوفير مناخ الأمن لهم والمسارعة بتنفيذ وعود الرئيس عبد الفتاح السيسي.

المصدر: فرانس24

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *