أخبار محليةالأخبار العاجلةفلسطين 67

الجفاف في فلسطين الأشد منذ 9 قرون وسكان الساحل مهددون

الخبير البيئي ومدير وحدة الدراسات والأبحاث في مركز العمل التنموي/ معا جورج كرزم،  يحذر من الجفاف الخطير الذي تعانيه البلاد العربية الواقعة شرق البحر المتوسط، وتحديدا بلاد الشام، إضافة بلدان مجاورة كتركيا وقبرص- والذي بدأ منذ عام 1998. مستنداً على بحث جديد أجرته وكالة الفضاء الأميركية (ناسا) وجامعتا كولومبيا وأريزونا، بين أن حالة الجفاف في المنطقة تعتبر الأشد منذ نحو تسعة قرون!

13_1462866550_3282

حذر الخبير البيئي ومدير وحدة الدراسات والأبحاث في مركز العمل التنموي”معا” جورج كرزم، من الجفاف الخطير الذي تعانيه البلاد العربية الواقعة شرق البحر المتوسط، وتحديدا بلاد الشام، إضافة بلدان مجاورة كتركيا وقبرص- والذي بدأ منذ عام 1998. مستنداً على بحث جديد أجرته وكالة الفضاء الأميركية (ناسا) وجامعتا كولومبيا وأريزونا، بين أن حالة الجفاف في المنطقة تعتبر الأشد منذ نحو تسعة قرون!

وأشار كرزم إلى ما استخلصه باحثون درسوا الأراضي الحرجية والوثائق التاريخية بهدف رسم خريطة تاريخ المياه في المنطقة؛ فتبين لهم بأن الجفاف الحالي ليس فقط أنه الأطول زمنيا، بل الأكثر جفافا من بين حالات الجفاف التي ضربت منطقتنا خلال السنوات الخمسمائة الماضية، كما أنها أكثر جفافا بمقدار 20-30% من حالات الجفاف التي تم تسجيلها في المنطقة منذ عام 1100. النتائج ستنشر في الدورية العلمية المعروفة عالميا: Journal of Geophysical Research-Atmospheres.

ووجد الباحثون أيضا بأنه، في معظم الحالات، فترات الجفاف في بلاد الشام، كانت متلائمة مع ظروف الجفاف المشابهة التي سجلت في أوروبا الغربية. بكلمات أخرى، حينما ضرب الجفاف مناطق شرق البحر المتوسط، فإن غرب أوروبا أصيب أيضا بالجفاف في معظم الحالات.

كما وجد الباحثون بأنه حينما كان الجزء الشمالي من البحر المتوسط (اليونان، إيطاليا وسواحل فرنسا واسبانيا) يصاب بالجفاف، فإن المناطق الشرقية بشمال إفريقيا كانت تحظى بارتفاع كبير في نسبة الأمطار تحديدا، والعكس صحيح أيضا.

وهذه العلاقات الجغرافية: شرق-غرب وشمال-جنوب ساعدت الفريق البحثي في فهم أي محيط وأي ظروف جوية تؤدي إلى فترات الجفاف أو المطر في المقام الأول. وفي المحصلة، شح الأمطار والارتفاعات الكبيرة في درجات الحرارة يزيد مقدار التبخر من التربة وبالتالي يؤدي إلى الجفاف.

وبهدف فهم تاريخ الجفاف في بلدان البحر المتوسط درس العلماء حلقات جذوع الأشجار، وذلك للتعرف على مناخ المنطقة وما العوامل التي أدت إلى انحراف جريان المياه من أو إلى المنطقة. حلقات الأشجار الرفيعة تشير إلى سنوات الجفاف، بينما الحلقات السميكة تشير إلى السنوات التي تميزت بغزارة المياه.

الفريق البحثي الذي عمل على هذا البحث وجد بأنه في الفترة بين سنة 1100 و2012 فإن حالات الجفاف-بحسب حلقات جذوع الأشجار-تتناسب مع ما تم وصفه في الوثائق التاريخية التي كتبت في ذات الفترة. الخلاصة هي أن الجفاف الذي ضرب منطقة بلاد الشام خلال الفترة الممتدة بين 1998 و2012 يعتبر أكثر جفافا بنحو 50% من الفترة الأكثر جفافا خلال السنوات الخمسمائة الماضية، وأيضا أكثر جفافا بمقدر 20-30% من حالة الجفاف الأكثر سوءا الذي تم تسجيله في المنطقة خلال السنوات التسعمائة الماضية.

هل من علاقة بين حالات الجفاف القاسية واندلاع الحروب الدموية؟

كُتِبَت مقالات كثيرة حول العلاقة بين حالات الجفاف القاسية التي ضربت سوريا في الفترة 2006-2009 تحديدا، واندلاع الحرب الدموية هناك! وزعمت تلك المقالات بأن النظام السوري فشل في معالجة أزمة المياه الحادة الناجمة عن الجفاف. والنتيجة كانت خسارة مليون ونصف مزارع سوري لمصدر رزقهم، فأجبروا على هجر منازلهم في قراهم، بحثا عن مصدر رزق جديد في المدن.

وبسبب ذلك، عانت مدينة درعا في الجنوب السوري، على سبيل المثال، من تضخم سكاني غير متحكم به، وبالتالي تفاقم الفقر وشحت المياه. وفي عام 2011 تحولت درعا إلى بؤرة الحراك الشعبي الأولي ضد النظام السوري. بعدئذ، اختُرِق ذلك الحراك من قبل القوى الأجنبية المعادية لسوريا، وفي مقدمتها الولايات المتحدة وتركيا، إلى جانب أدوات الاستعمار في الخليج العربي، التي دعمت ومولت وسلحت العصابات الأجنبية والسلفية الوحشية التي غزت سوريا، فعاثت فيها دمارا وخرابا وتفتيتا.

العصابات الغازية استخدمت وتستخدم المياه كسلاح ضاغط أثناء القتال المتواصل منذ أكثر من خمس سنوات. ففي عام 2013، على سبيل المثال، سيطرت داعش على سد الفرات (أو سد الطبقة) الذي يعد أكبر سد للمياه في سوريا يقع على نهر الفرات في محافظة الرقة.

اللافت، وفق كرزم، أن “إسرائيل” التي تعتبر ناهبا رئيسيا لكميات هائلة من مصادر المياه العربية في فلسطين التاريخية والمنطقة إجمالا (نهب أحواض المياه الرئيسية في فلسطين، المياه السطحية، نهر الأردن وبحيرة طبريا، المياه اللبنانية والسورية في الجولان المحتل…) فرضت نفسها باعتبارها “قطرا شقيقا” يعاني من شح المياه تماما كما ضحاياها العرب والفلسطينيين الذين نهبت مياههم. المفارقة هنا، أن رموزا فلسطينية وأردنية من سلطات المياه في كل من سلطة الحكم الذاتي الفلسطيني، والأردن، اجتمعوا مؤخرا مع نظرائهم الإسرائيليين في لندن، للتباحث في ما أسموه “سبل التعاون بين الأطراف الثلاثة لمواجهة تحدي المياه”. وعند حديث الطرفين الفلسطيني والأردني عن شح المياه، يتم التعامل مع “إسرائيل” باعتبارها طرفا متضررا من أزمة المياه، على قدم المساواة مع العرب والفلسطينيين أصحاب الأرض والموارد المائية المنهوبة صهيونيا. والمؤسف أن “إسرائيل” تمكنت، من خلال أصدقائها الفلسطينيين والعرب، من تمييع جوهر الأزمة المائية الكامنة ليس فقط في ضربات الجفاف التي تضرب منطقتنا، بل وأساسا، في حقيقة الاحتلال الإسرائيلي للأرض العربية ومواردها المائية والطبيعية. لهذا، ومن باب الديماغوجيا وتزوير الواقع والتاريخ، فهم يركزون على مسألة التضخم السكاني، بقولهم أنه “في سنة 2050 سيعيش في الشرق الأوسط حوالي 634 مليون نسمة، أي أكثر من ضعف العدد الحالي، بينما مصادر المياه ستزداد جفافا، وكمية المتساقطات ستتناقص، والاحترار العالمي سيتواصل”.

مساحات كبيرة من مدينتي تل أبيب وحيفا مهددة بالغرق

في عددها الصادر بتشرين أول 2015، أشارت مجلة آفاق البيئة والتنمية، التي يرأس تحريرها كرزم، إلى أن منطقتنا الجافة بالكاد تستطيع تحمل خسارة القليل مما تبقى من مياه الأمطار. وفي الواقع، يوجد تهديدان رئيسيان لمسألة المياه باتجاهين جغرافيين متعاكسين؛ التهديد الأول مصدره الهطول المطري الذي قد يتناقص مع مرور الزمن. التهديد الثاني قد يأتي من الارتفاع الكبير المتوقع في مستويات سطح البحر، والذي يهدد المناطق الساحلية المأهولة بكثافة، وبخاصة منطقة دلتا النيل المصرية. ويقدر البعض بأن نحو 30% من تلك المنطقة قد تغرق خلال السنوات الخمس عشرة القادمة؛ علما أن هذا التقدير تبلور قبل المعطيات العلمية الأخيرة التي تنذر بتسارع أكبر في عملية انصهار الجليد القطبي.

وهنا من المفيد التذكير بتقرير الأمم المتحدة الصادر عام 2013، والذي حذر من أن ملايين الأفراد في الساحل الفلسطيني (وصولا إلى قطاع غزة) مهددون من ارتفاع مستويات البحر، حيث أن أجزاءً كبيرة من مدينة تل أبيب قد تغرق، فضلا عن مساحات كبيرة من مدينة حيفا التحتا.

ويعتقد بعض خبراء المناخ، وفق كرزم، بأن منطقة المشرق العربي، وتحديدا فلسطين، ولبنان، وسوريا والأردن، ستواجه في العقود القادمة مشكلة مزدوجة: فمن ناحية، ستشهد المنطقة فترات زمنية أطول من الأشهر الساخنة وارتفاع درجات الحرارة؛ ما سيفاقم أزمة المياه المتفاقمة أصلا. ومن الناحية الأخرى، سيزداد عدد سكان المنطقة بمقدار الضعف تقريبا.

كما وفي عددها الصادر بنيسان 2015، نشرت مجلة آفاق البيئة والتنمية تقريرا هاما جاء فيه أن الأقطار العربية الواقعة على تخوم الصحاري ستصبح أكثر صحراوية؛ أما البلدان الصحراوية- من منظور الجغرافيا السياسية المرتبطة بالتغير المناخي- فستصبح خلال العقود القادمة غير صالحة عمليا للسكن البشري. واستند التقرير إلى الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ (IPCC)، والذي يتوقع ارتفاعا طفيفا في هطول الأمطار، طالما أن هناك ارتفاع في درجة حرارة الكوكب؛ لكن عموما، ستصبح التربة أكثر جفافا، لأن درجات الحرارة الأكثر سخونة ستتسبب بمزيد من التبخر.

فلسطين تحديدا، تقع في المنطقة التي ستخضع لعملية تصحر، ستشمل، بحسب IPCC، شمال أفريقيا والبلدان الواقعة في محيط حوض البحر المتوسط، ومساحات شاسعة من آسيا كذلك. وعموما، الاتجاه المناخي العالمي لا مراء فيه، ومنطقتنا العربية لن تكون استثناء.

المشرق العربي وغرب أسيا ليس فقط أنهما حساسان ومكشوفان للتغير المناخي، بل إنهما من الناحيتين الاقتصادية والسياسية أقل قدرة على مواجهة الصدمات الناتجة عن التغير المناخي، بالمقارنة مع الكثير من الدول في سائر أنحاء العالم.
منطقتنا العربية المحكومة بأنظمة سياسية فاسدة وحكومات قمعية تعاني من الاختلال الوظيفي، ليست في وضع يمكنها من إجراء تخطيط طويل الأمد ورسم سياسات معقدة ضرورية للتعامل مع التغير المناخي العالمي – وبخاصة لو تذكرنا الطبيعة الغادرة لتغير المناخ.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *