2الأخبار العاجلةفلسطين 67

“عاصمة فلسطين”… الحلقة الأضعف إعلاميا

كيف تغطي وسائل الإعلام الفلسطينية الأحداث في مدينة القدس وما هي مضامينها؟ كم عدد الأخبار شهريا وما هي مصادرها؟ هل هناك حضور إعلامي لحياة المقدسيين الاجتماعية؟ معطيات مذهلة يقدمها تقرير “كيوبرس” عن حضور “عاصمة فلسطين” في وسائل الإعلام، إلى جانب عرض العوائق وسبل التغلب عليها.

unnamed

لا تجد مدينة القدس أكثر من زاوية متواضعة في أغلب المواقع الإخبارية الفلسطينية، حيث يبدو واضحا تواضع تغطية ما يجري في المدينة، واقتصاره على الجانب الإخباري المنقول عن صفحات إخبارية على مواقع التواصل الاجتماعي، أو المصادر الإسرائيلية سواء كانت مواقع إخبارية أو صحف أو بيانات شرطة الاحتلال.

تغطية تقليدية
يظهر رصد أجراه المركز الإعلامي “كيوبرس” لعدد من كبريات المواقع ووكالات الأنباء الفلسطينية، ضعف التغطية الخاصة لما يجري في مدينة القدس، وغياب القراءة المعمقة لما يعانيه أهالي المدينة، أو ما ينجزوه فيها، حيث تسيطر التغطية لعمليات الطعن والدهس أو جرائم الإعدام والمواجهات والاقتحامات والاعتقالات على الأخبار، فيما تغيب التقارير والقصص الصحفية عن هذه المواقع.

فهذه “صحيفة فلسطينية” تخصص على موقعها الإلكتروني زاوية للقدس، وتنشر فيها خلال شهر -بين 8 كانون أول 2015 و8 كانون ثاني 2016 -85 مادة إخبارية، نصفها اعتمد على المصادر المحلية، وأقل من ثلثها مبنيا على المصادر الإسرائيلية، كما ضمت الزاوية أخبارا ليس لها علاقة بالشأن الفلسطيني، بالإضافة لتقرير يتيم.

ولم يختلف الحال كثيرا في زاوية القدس في واحدة من وكالات الأنباء المعروفة محليا؛ فزاوية القدس في موقعها الإلكتروني احتوت على أخبار لا تخص المدينة، فيما تنوعت أخبار المدينة بين التهنئة والتغطيات اليومية التي اعتمدت على المصادر المحلية وشهود العيان أحيانا، وعلى مراسلها أحيانا أخرى، كما اختلطت بعض الأخبار بين المصادر الإسرائيلية وشهود العيان، هذا بالإضافة لعدد محدود من التقارير الإخبارية.

وفيما عدا المواقع المهتمة بشؤون القدس -وهي محدودة -فإن موقعا مهتما بشؤون القدس نشر خلال الفترة المذكورة 6 تقارير وقصص صحفية خاصة، أعدتها مراسلتان للموقع في المدينة، وركزتا بشكل أساسي على قصص الشهداء وجرائم الاحتلال.

أما المواقع الإخبارية في الداخل الفلسطيني، فقد تشابهت تغطيتها لشؤون المدينة المقدسة في كونها إخبارية بحتة، خالية تماما من القصص والتقارير الإخبارية، كما تنوعت المصادر فيها بين محلية فلسطينية وإسرائيلية، وذهب بعضها للاعتماد بشكل أساسي على بيانات شرطة الاحتلال، دون محاولة نفي المعلومات الواردة في هذه البيانات أو تأكيدها.

احتفاء بالشعارات
تشابه التغطية لدى مواقع الانترنت وتركيزها على الجانب الإخباري، جعل من حكايات أبناء القدس سواء كانت معاناة أو قصص نجاح، حبيسة أزقة المدينة الضيقة وجدران منازلها، ليبقى حضور المدينة مقتصرا على الشعارات التي تؤكد أن القدس هي “جوهر الصراع” و”قلب فلسطين” وعاصمتها.
ويوضح الباحث في الشأن الاجتماعي خالد عودة الله، أن تواضع التغطية يعود للجهل بواقع المدينة المقدسة، وهذا لا ينجم بالضرورة عن عدم المعرفة، بل عن اختزال القدس في مجموعة من الصور النمطية، مثل اختزالها بالمسجد الأقصى أو كعك القدس، ما جعل الاهتمام بها يقتصر على المناسبات.

وبالإضافة للسبب سابق الذكر، فإن عودة الله يرى أن ارتباط المدينة بالشأن السياسي بشكل مباشر، أبعدَ القضايا الاجتماعية، ودفعَ بقصص المعاناة إلى الواجهة؛ و”هي قضية مهمة” كما يقول، لكنه أشار إلى أهمية الجوانب الأخرى للحياة، مثل المقاومة اليومية للسكان ووجودهم الاجتماعي وشبكات القرابة ودورها في المدينة المقدسة، وكيفية إدارة الأحياء بشكل شعبي.

ويحذر عودة الله من خطورة بقاء هذه المواضيع وغيرها خارج التغطية، معلّلا ذلك، أنه يعبّر عن خلل له علاقة بتهميش المدينة المقدسة لصالح المدن الأخرى التي أخذت مكان العاصمة ومركز الاهتمام.

أين المشكلة؟
غياب المواضيع التي تحدث عنها الكاتب عودة الله، أو حضورها بشكل هامشي أحيانا، دفعنا للتساؤل عن الدور الذي يقوم به عدد كبير من الصحافيين والمصورين المقدسيين، سواء من تعلموا الصحافة جامعيا أو دخلوها بشكل غير مباشر كنشطاء بالدرجة الأولى، هذا عدا عن السؤال الأكبر حول مسؤولية وسائل الإعلام الفلسطينية وتحديدا الإعلام الحديث تجاه المدينة التي يصر الفلسطينيون على إبقائها عاصمتهم الأبدية.

الصحفي المقدسي محمد عبدربه، أشار، إلى وجود صحافيات مهتمات بنشر القصص الصحفية حول ما يدور خلف جدران القدس، لكن المشكلة حسب عبدربه تكمن في اعتماد المؤسسات الإعلامية عموما على المواد الخبرية -دون أن يلقي بذلك المسؤولية عن كاهل المراسلين أنفسهم. “إذ لا يوجد صحافيين متخصصين في القصة الصحفية، بل إن عددا من الصحافيين في القدس يمارسون المهنة عشوائيا”.

ويبيّن عبدربه، أن المؤسسات الصحفية الفلسطينية لا تكافئ المراسلين في القدس، ولا تهتم بتعيينهم، فهي تكتفي بالمواد التي تعثر عليها في مواقع إخبارية أخرى، ولا تهتم بنشر التقارير الخاصة بها -وهذا ما أكده رصد “كيوبرس” -حيث غابت أسماء المراسلين أو مصادر المعلومات، في المواد المنشورة عن القدس في أغلب هذه المواقع.

ويعتقد عبدربه بوجود إشكالية كبيرة في التأهيل الإعلامي الذي يرتكز على التقنيات والصحافة كمهنة. “في حالة كفلسطين تعيش تحت الاحتلال، يجب خلق فكر إعلامي مقدسي قادر على التعامل مع هذه الخصوصية ليس في صياغة الخبر فقط”.

ويدعو عبدربه لضرورة وجود عمل تثقيفي هائل يشمل دراسة تاريخ المدينة المقدسة بشكل معمق، وفهم الواقع ومتابعة المجريات أكثر من الأخبار، وكذلك فهم آلية أجهزة الاحتلال وعملها، مؤكدا، أن غياب هذا الجهد يجعل الحديث عن ممارسة إعلامية مقدسية تقدم رسالة إعلامية عميقة، أمرا غير ممكن.

ويحمل الصحفي المقدسي في نظر الكاتب عودة الله خصوصية تجعل عمله شبيها بالمشي في حقل من الألغام، كونه يتعامل مع ظاهرة حساسة، لأن كل ما يتم تصويره أو كتابته هو جزء من الصراع الحاصل في المدينة المقدسة.

ويؤكد عودة الله على أهمية تحدي التقسيم الاستعماري للمنطقة، والتعامل مع القدس المحتلة كاملة على أنها مدينة فلسطينية، ورفض تقسيمها إلى شرقية وغربية.

تجدر الإشارة هنا، إلى أن عددا من المواقع الفلسطينية ووكالات الأنباء تعتمد على صحافيين من الضفة الغربية في تغطية أخبار القدس، في حين يعتمد هؤلاء على مصادر طبية ونشطاء من المدينة لتحصيل المعلومات؛ ما يضعف حسب عودة الله وعبدربه التغطية، لعدم إطلاع غير المقدسيين بشكل جيد على ما يجري داخل المدينة، خاصة بعد مرور سنوات على عزل المدينة بالجدار الفاصل ومنع دخول الفلسطينيين من خارج القدس إليها.

المصدر: كيوبرس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *