هذه طيبتي

لا فائدة ترجى من خطاب الوحدة والحوار أجدى – بقلم: نضال محمد وتد

لا أحد يعرف حقا ما إذا كان جمهور الناخبين العرب في إسرائيل يريد بأغلبيته وحدة بين التيارات الرئيسية الثلاثة الفاعلة في الشارع العربي (الجبهة والحركة الإسلامية بشقيها والتجمع الوطني الديمقراطي)، وبالتالي ليس دقيقا القول بأن الوحدة هي مطلب الجمهور الواسع أو حلمه أو هدفه.

فالجمهور العربي في إسرائيل ، أو بلغة الأحزاب العربية ، الأقلية العربية / الفلسطينية في إسرائيل ليست متجانسة في مواقفها، وهذا طبيعي، وغير ذلك هو ليس الطبيعي. وهو ليس متجانسا أيضا في تركيبته الطائفية والدينية، ولا في تركيبته الاجتماعية، ولا في ولاءاته الدينية أو الاجتماعية وبالأساس السياسية. وبالتالي وفي ظل هذه التمايزات والاختلافات من الطبيعي جدا ألا يبلور هذا الجمهور الواسع موقفا موحدا لا من حزب محدد ومعين ولا في قضية سياسية أو اجتماعية أو دينية.

والجمهور الواسع من العرب في إسرائيل منقسم أيضا بين من يصوت لقناعاته السياسية والفكرية للأحزاب العربية، وبين من يصوت لمصالحه الانتهازية والمنفعية للأحزاب الصهيونية. ومنقسم أيضا بين من لا يصوت ويقاطع الانتخابات إما لموقف مبدئي عريق، سواء كان وطنيا علمانيا (كحالة أبناء البلد، عملا بأن موقفها هذا لم يمنعها عام 96 من المشاركة في تأسيس التجمع والتصويت للانتخابات بل والدعوة للمشاركة فيها) أو موقف ديني إسلامي كحالة الحركة الإسلامية الشمالية (مع العلم بأن النائب مسعود غنايم أكد مرة أن الانشقاق لم يكن على خلفية المشاركة في الكنيست).

وإلى جانب هذه التمايزات والفروق والاختلافات الموضوعية التي تعيق وتعرقل الوحدة بين مختلف الأحزاب والتيارات الحقيقية الفاعلة، هناك أيضا دوافع “الأنا” السياسي ، أي الدوافع الذاتية التي تترجم عمليا إلى “الخصومات شخصية بين قادة الأحزاب والحركات” والتي تحول وتؤثر بدورها على الوصول إلى تركيب وتشكيل قائمة انتخابية موحدة، ولو كانت هذه القائمة مؤقتة لفترة محدودة.

والواقع أنه لا يمكن أن نطالب الأحزاب العربية العمل على الوحدة بينها، لأن الوحدة تعني تغييب ووأد الخلافات الجوهرية والمبدئية والطروحات السياسية والاجتماعية والفكرية لهذه الأحزاب. كيف يمكن مثلا توحيد الجبهة بطرحها اليساري العلماني المناهض للتمايز القومي ، والمبني على العمل اليهودي العربي المشترك وفق أسس طبقية مع الحركة الإسلامية الجنوبية التي تقوم على فكر إسلامي يفترض فيه أن يناقض كليا الطرح الماركسي العلماني للجبهة تماما مثلما يناقض وينقض الطرح القومي للتجمع؟؟؟

هذا على المستوى الفكري والمنطلقات، فماذا عن المستوى السياسي والاجتماعي! هل يمكن مثلا أن نجمع بين التجمع الرافض كليا لاتفاقية أوسلو وطروحاتها وما جرته على القضية والشعب الفلسطيني  والمطالِب بإعادة هيكلية وبناء منظمة التحرير الفلسطينية ووقف تسلط السلطة الفلسطينية على المنظمة، وبين الجبهة التي تروج لأوسلو ولسلطة محمود عباس دون أي حرج على الإطلاق؟ هل يمكن مثلا أن نجمع بين الجبهة التي تصف حماس بالظلامية وحكومتها في غزة بالانقلابية وبين الحركة الإسلامية ( الجنوبية) التي يفترض فيها أن تكون تنهل مبادئ وقيم من نفس المنظومة التي تعتمدها حركة حماس؟

هل يمكن حقا أن نصدق مثلا أن الجبهة بقواعدها الواسعة والعريضة، ستقبل على مستوى الأشخاص، أيضا، أن تكون مرة أخرى جسرا لإنقاذ من لا يملكون أحزابا حقيقية فاعلة! سواء كان المقصود أحمد طبيبي أم طلب الصانع، أم أن هناك من يظن حقا أن التجمع سيقبل فعلا بالتحالف مرة أخرى مع أحمد طيبي، مع أنه قد يقبل مثلا بالتحالف مع الحزب العربي الديمقراطي كحزب قائم، في حال قررت الحركة الإسلامية الجنوبية أيضا مقاطعة الانتخابات وتفضيل الوحدة مع الحركة الإسلامية الشمالية على الكنيست.

هذه  الأسباب الموضوعية والأسباب الذاتية ستحول دون وصول الأحزاب إلى الوحدة، التي يروج البعض لها أو يتباكى عليها لاستخدامها قميص عثمان يمر من خلال الدموع المذروفة عليه للتصويت لكديما والعمل وميرتس بحجة أن العرب لم يتحدوا، بينما يريدها البعض فقط أداة ليضمن بقاءه في الكنيست لا غير لأنه لا وجود ميداني حقيقي له في أوساط العرب في إسرائيل ، ولا يحمل فكرا أيا كان أو رسالة أيا كانت.

خلاصة القول إنه تأسيسا على ما ذكر أعلاه تحسن الأحزاب العربية إن تجنبت هذه المرة الخوض في خطاب الوحدة، لعلمها أنها غير ممكنة، وركزت بدلا من ذلك على حوار يوصلها إلى تنسيق على أوسع نطاق ممكن لضمان رفع نسبة التصويت للأحزاب العربية الحقيقة والفاعلة ذات الوجود الحقيقي وليس الوهمي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *