كلمة حرة

ست الحبايب يا حبيبة …

وقف صبي يبدو في الثالثة عشرة من العمر على الرصيف ينظر إلى باقات الورد أمام الحانوت، تقدم نحوها ثم لامسها وانحنى فاشتم عبقها، علت وجهه علامات الرضا فدخل الحانوت وكأنه يهم بشراء باقة لأمه، فاليوم عيد الأم والكل يبحث عن وسيلة لإسعاد أمه.

مرت بضع ثوان ثم خرج الصبي من الحانوت وخيبة الأمل تكسو ملامحه. نظر مجددا إلى باقات الورد ودار حولها إلى الجانب الآخر، انحنى مجددا واشتم عطرها، ثم استدار ليغادر المكان بخطى ثقيلة.

أثارني هذا المشهد، وأنا ارقبه من داخل سيارتي المتوقفة في المكان في انتظار ابنتي لتخرج من الحانوت، صحت بالصبي سائلا: هل أعجبتك باقات الورد؟ فقال نعم.. نعم. فقلت: ولم لا تشتري لأمك إحداها؟ قال وغصة في حلقه تخنقه وتلمع في عينيه: كل ما جمعته من نقود خلال أسبوع لا يكفي لباقة ورد جميلة لأمي… سأبحث في مكان آخر.

عبارة الصبي خنقتني… ولم اقدر أن التقط نفسي وكأني عائدا من مسابقة مارثون، خشيت أن انفجر، وتجنبا لهذا أمسكت بباقة من الورد وناولتها للصبي وقلت له: ابلغ سلامي لوالدك وبارك لوالدتك عيدها، وأدفع لي ما معك من نقود وأنا سأكمل ثمن الباقة على أن ترده لي متى شئت.

انفرجت أسارير الصبي لهذا المخرج من المأزق، وقال لا أريد هذه الباقة بالذات، هي تلك التي أردتها. وأشار إلى باقة يطغي عليها القرنفل الأحمر، فقلت حسنا ليكن ما تشاء. ناولني النقود وحمل الباقة وانصرف بخطى واسعة معتزا بتحقيق ما أراد.

دخلت الحانوت معاتبا صاحبه على غلاء أسعار الورود في هذا اليوم بالذات، فبرر ذلك بأن المسئول هو من يزوده بها والذي يستغل هذه المناسبة لرفع الأسعار لعلمه بأن لا احد يبخل بالغالي والنفيس على أمه.

أيعقل أن يتعدى ثمن باقة الورد 100 شيكل؟ قد يقول البعض وهل نبخل على أمهاتنا بباقة ورد ثمنها 100 شيكل؟ الجواب بالطبع “لا” ولكن هذه النقود لا تذهب إلى الأم، وإنما ندفعها كالمغفلين ضريبة استغلال يفرضها علينا البائع الجشع.

في هذا البلد بالذات وفي هذا الزمان بالذات، لم يعد شيء يدهشني !

كل عام وأنت بخير يا ست الحبايب أينما كنت وأي كان اسمك !

مع تحيات أخوكم ابو الزوز   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *