كلمة حرة

أنا حزين اليوم يا أمي ! بقلم: الياس سمعان – ألمانيا

اليوم يصادف يوم وفاة أمي وأردت أن أذكرها على طريقتي وأرجو منكم المعذرة والعفو….إليكم ما جاش في خاطري:

انأ إلياس يا أمي … تسألينني أن كنت أذكرك .. وهل نسيتك كي أذكرك يا أمي…. كلماتك ترافقني ليلا نهارا، لا تفارقني… (الحسرة علي بموت يمّا) كنت تردديها بعد كل أجر. كنت تقولين لي، الدنيا أم وأنا اليوم يا أمي لا دنيا لي. أهيم في الفضاء، لا أثبت في أي مكان، ابحث عنك في مساراتي وتجدينني أخاطبك في شرودي، يا امي دليلي ضاع.

أنسيت ما قلتيه لي يوم ظهورك الأخير لي في المنام بأني لا أستطيع مساعدتك وطبت مني أن أصلي لك لا أكثر ولا أقل. منذ ذلك الحين وأنا أصلي لك يوميا، مرتان إبان ومرتان السلام على الأقل ولكني، كما تعهدينني أنسى أحيانا فأصلي الضعف في اليوم التالي. من يومها اختفيت ولم تظهري لي بعدها. كنت ليليا أفيق من كابوس يرعبني ويشلني ويعقد لساني، إلى أن سمعت وصيتك بالصلاة. الكل يعلم يا أمي أني لست متدينا ولكن لك صليت وأصلي وسأصلي حتى أخر رمق في حياتي.

اليوم 16.03. يصادف يوم وفاتك. وأنا أكره كل هذا الشهر منذ الصف السادس حين تعلمنا في درس التاريخ، أن يوليوس قيصر قتل في منتصف أذار وهذا اليوم مشئوم عندي منذ ذلك الحين، ارتعب لذكراه وما زلت أخشاه، وقد وصلني في هذا اليوم المشئوم خبر إصابتك بالجلطة وكنت في جزيرة غران كناريا. غادرت توا الجزيرة، ووصلت البلاد في اليوم التالي لكنهم أوقفوني في المطار يا أمي وموظف الأمن كالمعتاد احتجزني لأني أشكل خطرا على أمن الدولة وكان علي أن أوقع بأن لا سلاح بحوزتي والخ من هذه المراسيم الجميلة التي يحبها قلبي…وما أن أعفوا عني ووصلت المستشفى، حتى وجدتك جثة هامدة وقد غادرت الحياة قبل وصولي اليك ب 20 دقيقة. لو لم يوقفوني الاوادم في المطار لأكثر من ثلاث ساعات لاستطعت رؤياك على قيد الحياة. كنت اريد ان أقول لك الكثير يا أمي. صدقيني يا امي.. كان حلمك يا أمي ان تشاهدي لي ولدا، ولكني تأخرت. مريم بنتي تحمل اسمك، ولدت خمسة أشهر بعد ان فارقتينا وهي تشبهك. وسمعان ابني فهو عربي في طبعه والماني في مظهره ويجيد اللهجة العيلبونية. أردت ان البي لك ولو هذا الطلب لكني لم افلح حتى في ذلك.

كنت تقولن لي: البعد جفا يا الياس. حبذا لو كان ذلك، فأنا ما زلت العب الزقيطة في أزقة البلد القديمة واستذكر وجوه أهل بلدتي عيلبون، فلا يغيبون عن بالي واغفو تحت الدالية واحفظ ما سمعته من سوالف من حياة ابو أديب والمختار جريس وابو لبيب، وابو أسعد وووو. أجلس على ضفاف نهر الراين وأرى بعيني وادي السلامة. وأسير في الجبال والويزية لا تغيب عن عيني والقعدة تحت الخروبة.

يا امي كنت تقولين: كل شي احسن من بنادم. صحيح، فأنا ما زلت احتفظ بكيس قماش من صنع يديك وما زال يبدو كأنه “بالورقة”.

يا أمي اني أحفظ أقوالك عن ظهر قلب واقتبسها في حديثي وأدخلتها لغتي الألمانية.

قصتي معك يا أمي طويلة. لقد عانيت الأمرين حتى ولدت بعد تسع بنات. وكنت تحبينني حبا لا يوصف. كنت أشعر بذلك وكنت انت تجاهرين في ذلك. وكم مرة قلت: “لو الياس دعس ببطني، على قلبي زي العسل”.

أنا لا أستحق كل هذا الحب وأشعر بالذنب اتجاه أخي وأخواتي. أنا عاجز ولا أستطيع أن أرد لك الجميل وكل ما أطلبه ان تسامحيني وأنا اعرف جوابك مسبقا: غالي والطلب رخيص يمّا.

لن أطيل عليك يا أمي وسأقول جملتي الأخيرة وسأخمد: أنا حزين اليوم يا أمي…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *