كلمة حرة

الحجاج – اودعهم باعتزاز وأخجل أن استقبلهم !!!

اعتز بأن اودع اصدقائي واقربائي واهلي الى بلاد الحجاز لأداء فريضة الحج التي انعم الله عليهم بالقدرة على ادائها، فأنا احتسب قدرتهم على الحج في هذه الايام جزءاً من قدرتي، واعتبر طوفانهم حول الكعبة فيه مردود لي، وسعيهم بين الصفا والمروة فيه بركة لي، أولست قريبهم او صديقهم او جارهم؟

حجاج

لا اجمل من أمسيات توديع الحجاج!!! ومتعتي بها تعانق الدوخة، فأنت تنتقل من جلسة سمار الى جلسة سمار، ومن محضر متأهبين للفرح الى محضر متأهبين للسعادة بزيارة الكعبة. وحيثما تحل ترى وجوها مستشبرة بالخير بشوشة الى اقصى الحدود، وجوه ستشتاق اليها صبيحة الغد بعد ان تلوح لك عبر نافذة الباص مسافرة الى الجسر ومن هناك الى عمان ومن هناك الى الشونة ومن هناك الى المدينة المنورة ومن هناك الى مكة المكرمة… رحلة مضنية وطويلة فكيف لا تشتاق إليهم جميعا وكيف لا تشفق من بينهم على الهزيل وعلى المريض وعلى الوحيد وعلى المحرم المرافق لقليلة الحول والقوة.

فعلا الحالة الصحية لبعض الحجاج تثير القلق، وتجعلنا نضرب اخماسا باسداس، وليتنا نكون مخطئين في سوء توقعاتنا. بهذه الصورة اودعهم واعتز بهم واتمنى لهم كامل العافية ليتمموا النية ويعودوا غانمين.

هكذا نعيش ايام موسم الحج من كل عام، القلق والسهر والارهاق المتواصل، سواء قبل انطلاق المشوار الطويل بعدة ايام أو خلال السفر أو هناك في رحاب الله، وطريق العودة أو بعدها بأيام. كلها ايام مشقة لا يعرفها سوى من عاشها.

رغم كل هذا، فأنا اخجل من نفسي حين اتوجه لارحب بعزيز بعد عودته سالما. اخجل لا لشيء إلا لأني احمل هذا الحاج المتعب وزر ارضائي بهدية كما جميع الحجاج وكل مستقبليهم.

الهدية التي سأتلقاها من الحاج لا يمكنني رفضها، لأن في هذا إهانة له، ولا يمكنني قبولها لأنني اعتبر نفسي دنيئا حضر ليرحب بالحاج من اجل الهدية.

لهذا اخجل من نفسي عندما اتوجه للترحيب بأحد الحجاج، ولا افعل هذا إلا عندما يتعذر علي التنصل من الزيارة البيتية على ان التقيه في الشارع وارحب به اجمل واصدق ترحيب.

قالت إحدى قريباتي وهي مسنة، ان ابنها تكفل بمصاريفها لأداء الحج، ورغم هذا فقد كانت قلقة جدا وتحسب النقود باستمرار وهل ستكفي ام لا، فلم اتمالك نفسي ذات مساء وسألتها ما الخطب، ولماذا تريد هذه النقود، وأبنها تكفل بكل شيء؟ فابتسمت وقالت: هل نسيت الهدايا عند عودتي ؟

وبالفعل فقد كانت هذه الحاجة تجمع النقود منذ عدة اشهر وترسل ابنتها كل سبت الى طولكرم لتشتري الهدايا حسب لائحة تعدها مسبقا. وللحق يقال ان هذه اللائحة لا تنتهي، لأنها ما ان تشتري هدايا لمن هم في اللائحة، حتى يظهر اناس آخرون خلال الاسبوع فتعد لائحة أخرى باسمائهم وترسل ابنتها الى طولكرم لتواصل شراء الهدايا، لدرجة انها دفعت مبلغا يضاعف ما دفعه ابنها عنها تكلفة لأداء الحج ولكن الابن لا يعترف بالهدايا وطلب من امه ان لا تحضر سوى هدايا رمزية بسيطة سيتكفل بمصاريفها كذلك.

قريبتي الحاجة ليست استثناءً ابداً، فهي واحدة منهم وهم جميعا متشابهون في هذا. الهدايا تكلف مبلغا يضاهي تكلفة مناسك الحج برمتها. وإذا كان الحج فريضة من الله عز وجل، فالهدية “فشخرة” يمكننا توفير تكلفتها الباهظة واستبدالها بهدية رمزية جدا.

قد يقول قائل ما العمل وقد اعطاني شقيقي 200 دولار قبل سفري للحج، فكيف لا احضر له هدية بقيمة مماثلة ؟ إذا كنت تظن ان أخاك منحك المال ليتلقى بدلا عنه هدية بقيمة مماثلة، فخير لك ان ترد له ماله في الحال، وإذا كنت تعتقد ان هذه مساعدة لك لتخفيف عبء مصاريف الحج عنك، فأنت في حل من سداد دين اخيك عليك وهذه ليست فتوة وانما عرف اخلاقي.

وكل عام وانتم بخير من اخوكم ابو الزوز

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *