هذه طيبتي

هل غزة محررة أم محتلة ؟ الكاتب: حمادة فراعنة

هل غزة محررة أم ما زالت محتلة ؟؟ سؤال بسيط وربما ساذج ، ولكن أتحدى أن يملك شخصاً بمفرده وجاهة الجواب وصوابه أو أن يكون الجواب محسوماً بإتجاه أنها محررة ويقولها صاحبها براحة الضمير ، أو أنها محتلة ويقولها صاحبها وهو مرغماً على ذلك ، فالذين إنحازوا للأولى لديهم وجاهة الأنحياز أن غزة غدت محررة بعد فكفكة قواعد جيش الأحتلال وإزالة المستوطنات وجلاء الأسرائيليين ( جيش ومستوطنين ) عنها، والذين إختاروا التقدير الثاني أنها ما زالت محتلة بفعلي 1- الحصار البري والجوي والبحري و 2- إتفاق المعابر ، لديهم وجاهة فيما يقولون .

إذن الجواب على سؤال هل غزة محررة أم مازالت محتلة ، نسبي، يحتمل التقديرين ، ولا أحد يمكن أن يكون حاسماً قاطعاً في رده وفي إستخلاصه ، لأن الجواب في إحدى الحالتين يستوجب الأستحقاق ، فإذا كانت محتلة، يستوجب العمل ضد الأحتلال من أجل طرده وجلائه، وكيف يمكن ذلك ، في غياب الأشتباك والتعامل اليومي بين الأحتلال وبين الناس الرازحين تحت الأحتلال ، فالأحتلال ومؤسساته إنحسر عن القطاع إلى خارجه، والتصادم معه يتم عبر الحدود ، وليس على أرض القطاع الخالي من جيش الأحتلال ومن المستوطنين أما إذا كانت محررة ، فهذا يستوجب وضع برامج التنمية والتطوير وإقامة نظام ديمقراطي تعددي قائم على تداول السلطة عبر صناديق الأقتراع ، وأقلها إجراء إنتخابات بلدية بمشاركة الجميع .

الجواب يجب أن تتوقف أمامه وتجتهد للرد عليه أولاً فصائل العمل السياسي الفلسطيني من فتح وحماس مروراً بكل الأحزاب والفصائل والمكونات الفلسطينية ، وثانياً الشخصيات المستقلة ، وثالثاً الكتاب والمثقفين ، ورابعاً شعب القطاع نفسه .

لقد إنحسر الأحتلال عن قطاع غزة وتراجع ولملم صفوفه وغادر أرض القطاع بعد أن فكفك قواعد الجيش وأزال المستوطنات ، ولكنه ترك بصماته عبر الجواسيس والعملاء ، وترك أثاره بالحصار وإتفاق المعابر ، مثلما ترك دماره وخرابه بالأجتياح أواخر 2008 وأوائل 2009 .

القوات الأسرائيلية تركت غزة ، بعد أن إختار شارون الحل الأمني الأستراتيجي بالتخلص من القطاع وأهله الذين يتجاوزون المليون ونصف المليون نسمة وهم بإزدياد ، وإختار ذلك لعدة أسباب جوهرية :

أولها : أن جزءاً كبيراً من المجتمع الأسرائيلي وأحزابه ومثقفيه سلموا أن هنالك شعباً أخر يعيش على أرض إسرائيل ( فلسطين ) ليس بالأسرائيلي ولم يتحول لأن يكون إسرائيلياً ولا يرغب ذلك ، ولن يستطيعوا تحويله إلى إسرائيليين ، فهم متمسكون بهويتهم الوطنية الفلسطينية ، وقوميتهم العربية وبديانتيهم الأسلامية والمسيحية ، حتى لو عاشوا بالرخاء الأوروبي ومعاييره تحت سقف الأحتلال ، كما أنهم لم يعودوا أردنيين ، وإستعادوا هويتهم الخاصة بهم ، وأقر الراحل الملك حسين وسائر مكونات الدولة الأردنية بقرار فك الأرتباط ، وإعترف الأردنييون بحق منظمة التحرير بتمثيلها للشعب العربي الفلسطيني .

وثانيها : أقر المجتمع الدولي بالحقائق الثلاثة 1- الشعب الفلسطيني 2- منظمة التحرير 3- الحقوق السياسية المشروعة للشعب الفلسطيني على أرض فلسطين ، عبر إتفاق أوسلو ، وأصبحت تداعياته وأثاره واقعة ، مادية ، ملموسة ، تتمثل بالسلطة الوطنية وبعض مظاهر السيادة المحدودة البسيطة مثل جواز السفر ، العلم ، الحكومة ، المجلس التشريعي ، الأنتخابات ، القضاء ، الأمن وغيرها من المظاهر المقيدة والمحسوبة ، بما فيها الدعم المالي الدولي للإسهام بتظهير هذه المظاهر وتبنيها لتصل إلى مستوى مؤسسات الدولة المنشودة مستقبلاً .

ثالثها : أنه أراد التخلص من قطاع غزة ، كي يتم تركيز قبضته على الضفة ويضم أكبر مساحة منها ، ويقطع الصلة العملية ما بين الضفة والقدس من جهة والقطاع من جهة أخرى.

غزة إنحسر عنها الأحتلال ، من قبل الجيش والمستوطنين ، فمن الذي يشغل السلطة البديلة اليوم ؟؟ .

حركة حماس هي التي تفرض سيطرتها المنفردة على قطاع غزة ، وهي بذلك تشبه حزب الرئيس مبارك وحزب الرئيس زين العابدين بن علي وحزب علي عبد الله صالح وحزب الراحل صدام حسين ، وحزب الأسد ، وهذا ما تتحاشى حركة فتح وفصائل اليسار وفصائل العمل القومي والشخصيات الفلسطينية المحترمة الحديث عنه وإبرازه ، لأن إيراد مثل هذا التقييم يعني أنها يجب أن تخوض نضالاً مدنياً سلمياً ديمقراطياً من أجل إرساء التعددية والأحتكام إلى صناديق الأقتراع ، وتقديم غزة نموذجاً في إحترام حقوق شعبها الدستورية والقانونية ، وكذلك للمجتمع الدولي المتعاطف مع معاناة الفلسطينيين وينحاز لتطلعاتهم في إستعادة حقوقهم المسلوبة من المشروع الأستعماري التوسعي الأسرائيلي .

مشكلة عويصة ، لا تتحمل مسؤوليتها وتغذية مظاهرها وبقاءها حركة حماس فقط ، بل تشاركها في تحمل المسؤولية فتح والشعبية والديمقراطية وحزب الشعب والمبادرة وفدا وباقي المكونات الفلسطينية لأنها تتهرب من مسؤولياتها لمواجهة تسلط حماس وتفردها وهيمنتها وتعريتها .

[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *