أخبار الطيبة

القصة الكاملة للموظف الذي ربح 14 مليون شيكل في الطيبة

بعيدا عن الضجة الاعلامية والأضواء وبهدوء تام وبعد ان استغرقت معالجة هذا الملف قرابة خمس سنوات، فإن قضية ديون بلدية الطيبة تشارف على الانتهاء، والنتيجة تقضي بتقليص الديون بنسبة 77% للدائنين العاديين بينما يتلقى المؤتمن المحامي افنير كوهن حوالي 14 مليون شيكل لقاء اتعابه في هذه المهمة.

إذا نظرنا الى اقتراح التسوية الذي تقدم به المؤتمن هذا الاسبوع للمحكمة المركزية في تل ابيب والمنتظر ان يصوت عليه بالقبول او الرفض كل من له اموال لدى بلدية الطيبة، فإننا نجد ان عدد اصحاب الديون العاديين هو 686 دائنا ممن قدموا للبلدية خدمات على اختلافها واجمالي قيمة ديونهم المستحقة تساوي 77 مليون شيكل الآن. هؤلاء الدائنون سيكونون مضطرين للاكتفاء بالحصول على 18 مليون شيكل فقط (وليس 77 مليون)، يوزعونها فيما بينهم حسب نسب ديونهم. وبهذا يبلغ حجم تقليص قيمة الديون وفق ما ورد في مقترح المؤتمن 59 مليون شيكل.

اما المستخدمون والدائنون المؤمنون وسلطة الضرائب فسيحصلون على كامل ديونهم المستحقة وقيمتها الاجمالية 87 مليون شيكل بتأخير طال خمس سنوات، وقد ادرجه المؤتمن في مقترحه، أي ان مجمل قيمة الديون التي سيتلقاها الدائنون على اختلافهم يبلغ 105 مليون شيكل. من ناحيته سيتلقى المؤتمن نفسه كما ذكرنا آنفا 14 مليون شيكل لقاء اتعابه.

بداية الرواية لمن فاته متابعتها

كما هو معروف، بلغت بلدية الطيبة قبل خمس سنوات، في اكتوبر من عام 2007، حد الافلاس بعد ان كانت مثقلة بالديون ولجأت الدولة آنذاك فورا ، الى تجميد كافة الاجراءات التي قد تتخذ ضد بلدية الطيبة خشية ان ينقض الدائنون على املاكها من كل جانب لينهش كل ما أمكن بقرارات الحجز على هذه الممتلكات. وتكدست 164 مليون شيكل هي قيمة دين البلدية حتى ذلك الحين للدائنين على اختلاف خدماتهم وأسبابهم.

يذكر ان بلدية الطيبة كانت عانت من حالة مماثلة في عام 1999 ابان عهد الرئيس السابق عصام مصاروة ولكن الادارة تمكنت آنذاك من انتشال البلدية من الوحل ولو بصورة مؤقتة.

وبناءً على طلب من الدولة انتدبت قاضية المحكمة المركزية في تل ابيب، فاردة اليشيخ في اكتوبر 2007 المحامي افنير كوهن ليكون مؤتمنا على املاك بلدية الطيبة، ثم ما لبثت الامور ان تعقدت اكثر من المتوقع. فقد استولى المحامي افنير على إدارة شؤون الطيبة بكاملها، وفقا للصلاحيات الممنوحة له. وهي خطوة لم ترق كثيرا لوزارة الداخلية. وادعت الدولة المتمثلة بوزارة الداخلية عندها بانها لو ارادات ادارة شؤون الطيبة برمتها لانتدبت لجنة معينة لإدارة شؤون المدينة او بأي طريقة أخرى، وعليه تقدمت الداخلية الى المحكمة بطلب تقليص صلاحيات المؤتمن لتنحصر فقط بالملف المكلف به وهو: معالجة مئات الدعاوي القضائية التي رفعها الدائنون، مراجعة كل ملف على حدى، وفي النهاية بلورة تسوية تتضمن تقليص هذه الديون بطريقة ما.

من جانبه اعترض المؤتمن على الإطار الضيق الذي تحاول الداخلية حصر تحركاته وصلاحياته فيه، وأدعى انه ينبغي عليه القيام بمهمته بصورة تدريجية ورقابة متواصلة، فاستجابت لطلبه المحكمة متمثلة بالقاضية اليشيخ. وفي شهر يوليو اصدرت القاضية اليشيخ نفسها حكما قضائيا ينص على ان يتقاضى المحامي افنير كوهن المؤتمن على املاك بلدية الطيبة اتعابا شهرية (راتب) قيمتها 232 الف شيكل (200 الف شيكل زائد ضريبة القيمة المضافة)، وذلك بوقع رجعي، اي ان كوهن سيتقاضى هذه الاتعاب عن الفترة السابقة منذ لحظة تعيينه وسيكون الحكم القضائي سائر المفعول مستقبلا. وإذا اجرينا عملية حسابية بسيطة وهي عدد الاشهر التي شغلها في هذا المنصب المحامي افنير كوهن ضرب هذا المبلغ فإننا سنحصل على مبلغ 14 مليون شيكل، ومن غير المعروف هل هذا هو المبلغ النهائي ام هناك إضافات أخرى.

وعزت القاضية اليشيخ رفضها طلب الداخلية بأنه من غير المقبول ان تبلغ مؤسسة تابعة للداخلية حد الافلاس ثم تطالب الداخلية نفسها بإعادة العافية لهذه المؤسسة. وإنها تحاول تجنيب بلدية الطيبة حالة تجميد الاجراءات للمرة الثالثة مستقبلا. وبالرغم من ان قضاة المحكمة العليا أشاروا في عام 2009 في حيثيات حكم يتعلق باستئناف الداخلية امامهم انه آن الاوان للفصل بين ادارة بلدية الطيبة ومتابعة الدعاوي القضائية ضدها، إلا ان المؤتمن واصل مزاولة عمله الذي يدمج بين الامرين معتمدا على مساندة القاضية فاردة اليشيخ لموقفه.

الامور تتعقد وتطول وتنزف الاموال

اعتبارا من يناير 2010 بدت الامور اكثر تعقيدا وأصبحت تثير التساؤلات العديدة. كان من المنتظر ان تنتهي الاجراءات المجمدة بحق بلدية الطيبة بعد مرور تسعة اشهر كحد اقصى ينص عليه القانون، غير انه لغاية ذلك الموعد كان قد مر اكثر من عامين على بداية حالة الاجراءات المجمدة، أي الشلل التام اقتصاديا لبلدية الطيبة، وفي كل مرة تنتهي الفترة المحددة لذلك تستجيب القاضية فاردة اليشيخ لطلب المؤتمن بتمديد فترة صلاحياته لمواصلة مهمته التي لم تنته بعد.

وكان المؤتمن كوهن مع كل تمديد جديد لصلاحياته يشعر بتململ اكثر من جانب القاضية اليشيخ وعدم رضاها، إضافة الى الضغط الذي تمارسه الدولة عليه للإسراع في انهاء المهمة، مما أضطره في عدة مرات الى التصريح بأن هذا التمديد سيكون الاخير لينتهي دون انجاز المهمة ويطلب تمديدا آخر ويستجاب طلبه.

وفي يناير 2010 بلغ عدد الملفات القضائية المرفوعة ضد بلدية الطيبة التي راجعها المؤتمن 50% من مجمل الملفات، وعندها اضطر الى التعهد بأن ينهي بقية الملفات في مدة لا تتجاوز ستة اشهر تنتهي بتسوية مع الدائنين، إلا ان هذا لم يحدث.

وفي ديسمبر من ذات العام 2010 كانت نسبة الملفات التي راجعها المؤتمن قد بلغت 70% من كافة الدعاوي القضائية التي يطالب اصحابها بديونهم المستحقة من بلدية الطيبة، وعندها طلب المؤتمن تمديد فترة صلاحياته لأربعة اشهر إضافية، مؤكدا انه سيتمكن حتى نهاية هذه المدة من مراجعة بقية الملفات وتقديم مقترح لتسوية الديون مع الدائنين. الدولة من جانبها اتهمته بمحاولة كسب الوقت فثار غضب المؤتمن لهذه الاتهامات. ورد باتهام الدولة بأنها تحاول تقويض التسوية التي يسعى الى انجازها.

لم تتوقف الامور عند هذا الحد، فقد انقضت الاشهر الاربعة الاخيرة التي طلبها استثنائيا المؤتمن، وعاد في شهر ابريل من عام 2011 وطلب تمديد تجميد الاجراءات لمدة خمسة اشهر اخرى مشيرا الى انه سيتمكن خلال هذه المدة من عرض تسوية مع الدائنين وسيبدأ جلسات مباحثات معهم. وبالطبع واصل المؤتمن كوهن طوال هذه المدة الحصول على راتبه بقيمة 232 الف شيكل كل شهر.

المواطن الطيباوي الضحية الاولى والاخيرة

في ظل هذه الظروف، المتضرر الاول هو المواطن الطيباوي الذي يعاني من الوضع القائم، فبعد ان كان الجميع في الطيبة يعتقدون ان الامر سيستغرق بضعة اشهر لتنتقل الطيبة من حالة الافلاس الى الانتعاش، بدت الامور وكأنها بلا نهاية وتتكرر بين الحين والآخر بنفس المنوال. المؤتمن لا ينتهي من مراجعة الملفات وتنتهي فترة صلاحياته فيطلب من نفس المحكمة ونفس القاضية تمديد المدة ويحصل على تمديد اضافي وراتبه يتكدس في حسابه المصرفي ليصبح بالملايين على حساب مواطنين فقراء ومدينة افلست بسبب فقرها وفقر مواطنيها.

في هذا السياق ارسلت مواطنة طيباوية برسالة الى القاضية اليشيخ تتذمر امامها من استمرار الوضع القائم في الطيبة وتلقي باللائمة على كسل المؤتمن الذي يرى بهذه المهمة الدجاجة التي تبيض له ذهبا، وانه غير معني بالانتهاء من مهمته اطلاقا، وان الغريب في الامر هو استجابة القاضية اليشيخ لطلبه في كل مرة، حتى ان مهمته بدل ان تستغرق 9 اشهر حسب ما ينص عليه القانون استغرقت 5 سنوات.

وراح بعض الاهالي في الطيبة الى ابعد من ذلك، فقد تعالت اصوات تتهم القاضية فاردة اليشيخ بالتواطؤ مع المؤتمن كوهن وتمديد المدة تلو الاخرى لمهمته في الطيبة لأنه نجل القاضية الشهيرة المتقاعدة طوفا شترازبيرغ كوهن، التي تشعر القاضية فاردة اليشيخ بصعوبة رفض مطالبه في كل مرة. ومن المعروف ان والدة المؤتمن كوهن، القاضية شترازبيرغ كانت مسؤولة في السابق عن شكاوي الجمهور ضد القضاة. ولهذا فهناك من يدعي ان تعيين كوهن مؤتمنا على املاك بلدية الطيبة لم يأت من فراغ وان لهذه الحقائق علاقة بالأمر. كل هذه الحقائق الجانبية التي تلقي بظلالها على مجمل الصورة، وردت في رسالة السيدة الطيباوية الى القاضية اليشيخ، غير ان هذه الرسالة لم تلق أي عناية لاحقة لأن صاحبة الرسالة كانت مطالبة بتقديم التوضيحات الاضافية وهذا ما لم يتم.

خلافات المؤتمن مع الدولة

نجح مؤخرا المؤتمن كوهن في مراجعة معظم الملفات المذكورة وبدأ اتصالاته بالمسئولين في الدولة لتسوية الديون مع الدائنين، وذلك لأن مثل هذه التسوية تتطلب ضمان الاموال لدفعها سدادا للديون في حال التوصل الى تسوية بغض النظر عن قيمة المبلغ في النهاية. في هذه الاثناء وقعت خلافات متشعبة بين المؤتمن كوهن وبين المسئولين في الدولة، وتبادل الطرفان الاتهامات. فالمؤتمن اتهم الدولة بالتقاعس عن سداد الديون التي سيتوصل اليها ضمن التسوية، بينما اتهمته الدولة بالتغاضي عن حقيقة ان امكانيات الدولة في هذا المجال محدودة جدا.

في ابريل من العام الجاري 2012 قال المؤتمن كوهن ردا على اتهامات الدولة له بمحاولات كسب الوقت، ان هذه الادعاءات عبارة عن “نكتة” لأن ما بقي من الملفات دون مراجعة هو فقط 11 ملفا. ولكنه لم يتمكن من تفسير لماذا استغرقت عملية مراجعة الملفات في بلدية الطيبة كل هذه المدة، اربع سنوات ونصف.

للمقارنة فقط، تمكن المؤتمن في قضية اكثر تعقيدا من قضية بلدية الطيبة وبمعايير اقتصادية اكبر بكثير وهي قضية “كلوب ماركت” وفيها 4500 ملف دعاوي قضائية للدائنين، تمكن المؤتمن خلال سنة ونصف من الانتهاء من مراجعة كافة الملفات وتقديم عرض للتسوية رغم انها قضية بنظر الخبراء تعادل اربعة اضعاف حجم قضية بلدية الطيبة.

خط النهاية سراب

من جانبه ابلغ كوهن المحكمة هذه الايام بأنه ينوي عقد لقاء مع الدائنين بعد شهرين من الآن وسيتم خلال هذا الاجتماع حسم التسوية التي بلورها بالاتفاق مع الدولة، وسيعرضها على الدائنين. وهذه المرة كما في مرات سابقة حصل كوهن على تمديد لمدة مهامه حتى تاريخ 19 سبتمبر أي انه سيتقاضى راتبا عن شهرين قادمين بقيمة اجمالية تقارب نصف مليون شيكل.

ويقول كوهن دفاعا عن نفسه في تسلسل هذه الوقائع، ان عدد ملفات بلدية الطيبة التي تسلمها كان 1292 ملفا من الدعاوي المرفوعة ضد البلدية والتي يطالب اصحابها البلدية بمبالغ مالية تساوي بمجملها 922 مليون شيكل. وبما ان الجهة المطالبة بتسديد هذه الديون هي بلدية الطيبة والدولة، لم يكن بالإمكان البدء ببلورة تسوية للديون قبل مراجعة كافة الملفات. تمت الموافقة على 19% فقط من مجمل هذه الملفات وهذا مؤشر على عمليات التحايل والخداع التي سادت الطيبة والتي سبقت انهيار ادارة البلدية.

وأضاف المؤتمن افنير كوهن: “حاولت تقليص هذه المدة فتقدمت بطلب الى وزارة المالية بتمويل اتعاب اناس آخرين اجلبهم للعمل الى جانبي بغية انهاء المهمة في اقصر وقت ممكن، ولكن وزارة الداخلية رفضت ذلك”.

وأما بخصوص المبالغ الطائلة التي يتقاضاها لقاء هذه المهمة فقال كوهن ان الامر يدور حول ما  يقارب من 600 ساعة عمل شهريا يؤديها 11 محاميا، وانه لو احتسب الاتعاب وفق ساعات العمل الفعلي لكان من حقه المطالبة بمبلغ اضخم بكثير من الراتب الذي يتقاضاه.

وقال انه لا اساس من الصحة للادعاء بأنه حاول كسب الوقت بغية كسب المال، وأكد ان اطالة المهمة جاءت نتيجة لضخامتها والغيرة على اتمامها بالكامل ونظرا للخلافات التي واجهت المؤتمن في محاولة اقناع الدولة بتوفير المبالغ لسداد الديون بعد التسوية.

وقال المؤتمن في نهاية دفاعه عن مهمته ان بلدية الطيبة خلال هذه الفترة أديرت بشكل لائق، وكانت تقدم خدمات ضرورية للمواطنين وبعد افلاس كامل وتجميد الاجراءات ، تمكنت البلدية من انهاء عام 2011 بفائض مالي يقدر بأربعة ملايين شيكل متوفرة في ميزانيتها.

تعليق واحد

  1. الله يعين هالموظفين على هالمصيبة قاعدين بدفوا على المي وغيرهم فاتح المكيف وين قلوب العالم بدل ما تصلحوا قاعدين بتخربوا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *