إمتحان اللغة العربية مهزلة بل فضيحة

أن يتقدم كل من يريد الإلتحاق بسلك التعليم الى امتحان في اللغة العربية كي يقيّم مستوى إتقانه للغة أمّه أمر مهم جدا ومستحسن ومقبول بل وضروري. إذ لا يجوز لأي معلم لا يتقن لغته العربية أن يعلم أبناءنا والسبب بسيط جدا.

لا يستطيع هذا المعلم ايصال المعلومات الى طلابه بينما يستعمل لغة ركيكة مفككة لا تمكنه من أن يتفاعل ويتحاور ويتناقش مع طلابه ويوضح المادة التي يعلمها , كذلك لا يستطيع أن يكون قدوة لطلابه ومصدر إلهام لهم ودعما لهم في ترسيخ اللغة العربية في آذانهم وقلوبهم وعقولهم.

من لا يتقن لغة أمه يصعب عليه فهم المواضيع الأخرى فكثير من طلابنا يجدون صعوبة في مواضيع معينة لا لسبب إلاّ لأنهم لا يفهمون ما يقرأون حتى أنّني أستطيع القول من خلال تجربتي كمدرس للغة الإنجليزية على مدار سنين طويلة أنّ من لا يتقن لغة قومه لا يستطيع إتقان لغة قوم آخر.

من هذا المنطلق أقف جازما إلى جانب من بادر وقرّر وطالب المتقدمين الى العمل في سلك التعليم في مدارسنا العربية بالتقدم الى مثل هذا الامتحان. وفي الحقيقة لا أعرف السبب الحقيقي لفرض هذا الامتحان، فلو كان الهدف رفع مستوى الأداء اللغوي لدى معلمي المستقبل، مع أنني قد عرفت أن هناك الكثير ممن تقدموا الى الامتحان وهم فعلاً معلمون يمارسون مهنة التعليم منذ سنين, فلو كان الهدف كذلك لكان الأمر محمودا ويستحق الثناء. ولو كان الهدف أيضا تقييم أداء المعلمين بحيث يتم اختيار المعلمين الأكفاء فقط دونما اعتبار لواسطة كما هو الحال في مجتمعنا العربي للأسف وأرجو ألاّ أكون ظالماً، لقلت إنّ الأمر محمود أيضا ويستحق الثناء والمباركة. حينها يحصل المتقدم على فرصته النظيفة والنزيهة ولا يلومنّ إلاّ نفسه إن رسب أو حصل على علامة أقلّ من غيره. وهكذا نضرب عصفورين بحجر أولهما أننا نقضي على الواسطة التي دمّرت ليس فقط مدارسنا وإنّما مجالات أخرى كثيرة  في حياتنا ومجتمعنا. والأمر الثاني أننا نرفع مستوى التعليم العربي حينما يتم اختيار المعلمين الأكفاء فقط ونستثني من لا يملكون إلا الواسطة المدمّرة.

ولكن هل الأمر كذلك كما أظنّ أو كما أتمنى؟ هل الأمر مجرد وسيلة للتخلص من الكثيرين من المتقدمين الذين عددهم بالمئات وليس بالعشرات؟ كيف لنا أن نكون متأكدين من أنّ من تمّ اختيارهم هم فعلاً أولئك الذين قد حصلوا على أعلى العلامات ولم تكن للواسطة أو المحسوبية أو الإنحيازية أي تأثير على هذا الإختيار؟ كيف يمكن للمتقدم أن يشعر أنه لم يظلم سواء قبل أم لم يقبل؟ هل هناك  شفافية من خلالها يمكن التأكد من هذا الأمر؟

 أمّا بالنسبة للامتحان نفسه فلدي بعض الملاحظات التي أرى لزاماً عليّ أن أذكرها لأنني أخشى الاّ يذكرها غيري وأرجو ان أكون مخطئاً. أتمنى أن يفتح النقاش بهذا الخصوص.

الملاحظة الأولى أن الامتحان سهلٌ جدا ويبدو أن واضعيه يعرفون حقيقة مستوى معلمينا فوضعوا أسئلة تتطلب الحد الأدنى ممن نريدهم يعلمون أولادنا في المستقبل وحاليا. والداهية أو المصيبة الكبرى أن الكثيرين من المتقدمين وجدوا صعوبة كبيرة بحل الأسئلة. ولمن لم يقرأ الامتحان أقول أن الامتحان كان عبارة عن قطعة تليها أسئلة في فهم المقروء وأسئلة أخرى تتعلق بالنحو والبلاغة وطبعا كل الأسئلة متعلقة بما جاء في النص وكل سؤال حدّد مكان وجود الإجابة فما على الممتحن سوى قراءة السؤال والرجوع الى الأسطر المعنية. وأقول أن الامتحان معظمه متعلق في فهم المقروء وباستطاعة كل إنسان يقرأ الصحف أو المجلات أو اعتاد القراءة والمطالعة أو مشاهدة أو الاستماع الى البرامج الثقافية في التلفزيون وليس فقط مشاهدة البرامج الترفيهية وليتها كانت على مستوى فني، أقول إن باستطاعته الإجابة عن جميع الأسئلة في نصف ساعة على الأكثر، أمّا أن يستصعب المتقدم في فهم تعابير شائعة من المستحيل أنه لم يسمعها من قبل عشرات المرات فهذا أمر مؤسف جدا ومؤلم جدا. والأكثر إيلاما أن يحتاج الكثيرون الى من يساعدهم في الحل خاصة من الذين قد تمّ تسريب الأسئلة اليهم. ولذلك من حق كل من أجاب بنفسه على الأسئلة أن يغضب ويثور ويخاف من إمكانية أن يفقد فرصة الحصول على عمل بعد أن منحت الوظيفة لمن نقل وغش وقدمت له الأسئلة على طبق من ذهب.

هناك الكثير من القضايا التي تستحق المعالجة وأترك المجال لكم حتى تشاركوا في النقاش. كل ما استطيع قوله الآن هو أن الامتحان كان مهزلة بل فضيحة لنا جميعا رغم أنني أدعم هذه المبادرة وأساند هذا القرار لكن التنفيذ كان سيئا جدا والامتحان لا يعكس المهارات والقدرات التي يجب ان تتوفر بمن يريد ان يكون مدرسا وكذلك النتائج لا اعتقد انها ستعبر تعبيرا دقيقا وحقيقيا عن المستوى الفعلي للمتقدم فمن حلت له الأسئلة لا يمكن ان يكون معلما جيدا ومخلصا وصادقا فمن جاء بالغش لا يستطيع أن يطالب طلابه في المستقبل بالصدق والنزاهة. حبذا لو يلغى الامتحان وتلغى نتائجه والإتيان بامتحان آخر بحيث تراعى فيه النزاهة التي لا تظلم أحداً سواء نجح أم فشل.

بقلم: أسامة مصاروة

Exit mobile version