صحة

بطرق مضرة.. عالج الأطباء الطاعون قديماً

في حدود منتصف القرن الرابع عشر، شهد العالم ظهور وباء الطاعون الأسود الذي جاء ليفتك بعشرات ملايين الأشخاص ويتسبب في تراجع كبير في عدد سكان الأرض.

وقد اجتاح هذا المرض القارة الأوروبية ما بين عامي 1347 و1351 فخلّف نتائج كارثية بها، حيث أدى الطاعون الأسود لوفاة أكثر من ثلث سكان أوروبا حينها.

ولقّب هذا المرض من قبل المؤرخين بـ”الطاعون الدبلي” نسبة للدبل السوداء المنتفخة، والتي قارب حجمها أحيانا حجم البيضة المليئة بالعفن والأوساخ، وكانت تظهر على أجساد المرضى.

كما رافقت الدبل العديد من الأعراض الخطيرة الأخرى، حيث ارتفعت حرارة المرضى بشكل لافت للانتباه، وعانوا من مشاكل في التنفس، وكان قيئهم مليئا بالدماء.

وبسبب كل ذلك، كان المصابون يفارقون الحياة بعد فترة كانت لا تتجاوز في الغالب الأسبوع الواحد من تاريخ ظهور علامات المرض الأولى.

إلى ذلك، حاول أطباء العصور الوسطى جاهدين إيجاد حل لتخفيف معاناة المصابين ومساعدتهم على النجاة من الموت. أدى ذلك لظهور طرق مداواة تعتبر بيومنا الحاضر غريبة ومضرة بالصحة، ساهمت في زيادة عدد الوفيات.

ففي الغالب، تسببت هذه الطرق القديمة في زيادة معاناة المرضى وجعلتهم يفارقون الحياة في ظروف صعبة.

الفصد
خلال فترة ظهور الطاعون الدبلي، صنّفت عمليات الفصد كأهم الأودية وأشهرها بأوروبا، حيث لجأ المختصون حينها لإحداث شق بأحد الأوردة الرئيسية للجسم بهدف استخراج الدم، كما لجأ العديد من الأطباء للاستعانة بدودة العلق التي وضعت على الجروح لسحب الدم.

وكان هذا العلاج محفوفا بالمضار والمخاطر، حيث عانى المصابون بالطاعون الدبلي من ضعف المناعة، كما أدى سحب المزيد من دمهم لإنهاك أجسادهم، وتعجيل وفاتهم خاصة مع ظهور مزيد من التعفنات بمواقع الفصد على الجسد.

أيضا، لم يتردد الأطباء في مهاجمة ما شاهدوه سببا للمرض فلجأوا لفقء الدبل المنتشرة على أجساد المرضى متسببين في زيادة معاناتهم حيث ترافقت هذه العملية مع خسارة المصابين لمزيد من الدماء وظهور تعفنات إضافية على أجسامهم.

دبس السكر
من جهة أخرى، نصح أطباء العصور الوسطى المصابين بالطاعون بتناول ملاعق من دبس السكر العتيق حيث آمن الأطباء حينها بضرورة أن يكون عمر دبس السكر 10 سنوات منذ تاريخ إعداده، ليكون ذا فاعلية ضد الطاعون.

كما اعتقد خبراء الصحة حينها أن الرائحة الكريهة والمذاق السيئ والرديء لدبس السكر العتيق الذي مال لونه للسواد قادر على محاربة المرض وإعادة العافية للمريض.

وبسبب ذلك، عرفت أسعار دبس السكر ارتفاعا واضحا حيث أقبل عليها المرضى اليائسون أملا في النجاة من الموت.

محاربة الهواء الكريه
أثناء فترة ظهور الطاعون الدبلي، آمن كثيرون بإمكانية انتقال المرض بسبب الهواء والروائح الكريهة.

وبينما فضّل البعض الابتعاد عن هواء العالم الخارجي والعيش داخل المجاري، عمدت العديد من العائلات للاستعانة بما عرف بـ”العلاج العطري” فاقتنوا كميات هامة من الأزهار والورود والأعشاب وملأوا بها بيوتهم واصطحبوها معهم أينما ذهبوا.

البول والبراز
خلال منتصف القرن الرابع عشر، تحوّل البول لأحد أهم الأدوية المضادة للطاعون. وعلى حسب ما آمن به أطباء تلك الفترة، كان البول علاجا مثاليا لتخليص المرضى من أعراض الطاعون الدبلي، ولهذا السبب أجبر المصابون على الاستحمام بالبول، كما قدّمت لهم يوميا كؤوس منه لشربها.

إلى ذلك، لجأ الأطباء والأهالي لجمع وشراء بول الأشخاص السليمين حيث أصبحت تجارة البول حينها تجارة مربحة.

أيضا، لجأ أطباء العصور الوسطى لاعتماد خلطة وصفوها بـ”السحرية” ووضعوها على أماكن الدبل عقب فقئها بعد أن حدّثوا على قدرتها على رتق الجروح.

وقد كانت هذه الخلطة عبارة عن مزيج من راتنج الشجر (tree resins) وجذور الأزهار والبراز.

الدجاج والزمرد
تصنف طريقة العلاج بالدجاج كأغرب طريقة لمجابهة الطاعون الدبلي أثناء العصور الوسطى.

فمن خلالها، عمد الأطباء لوضع الجزء الخلفي للدجاج على مكان الدبل، وأحيانا كان يتم تثبيت الدجاج بتلك الطريقة نحو المريض اعتمادا على الحبال والأشرطة.

وقد جاء ظهور هذه الطريقة الغريبة بعد حديث أطباء العصور الوسطى عن إمكانية قيام الجزء الخلفي للدجاج بسحب السموم الموجودة بالدبل وإنقاذ المرضى.

أيضا، تحدّث الأطباء عن قدرة الزمرد على علاج الطاعون في حال تقديمه للمرضى.

وبسبب ذلك، لجأ كثيرون لطحن الزمرد وتحويله لمسحوق خلط في الغالب مع المشروبات أو مع الخبز قبل تقديمه للمصابين بالطاعون. وقد أدت قطع الزمرد الصغيرة والحادة لإحداث جروح بليغة بالجهاز الهضمي للمرضى وعجّلت بوفاتهم.

العلاج الديني
تزامنا مع ظهور الطاعون الدبلي، تحدّث كثيرون عن عقاب إلهي مسلط على البشر بسبب أفعالهم المشينة. وبسبب ذلك، ظهرت طائفة من الأشخاص الذين عمدوا لجلد أنفسهم بالسلاسل والتجول بالشوارع للتكفير عن خطايا البشر.

وألقت مجموعة أخرى باللوم على اليهود واتهمومهم بممارسة السحر الأسود وإغضاب الإله والتسبب في ظهور الطاعون الدبلي لتبدأ بذلك بأوروبا حملات لملاحقة اليهود أسفرت عن إحراق العديد منهم بمدن كبازل السويسرية وتولون الفرنسية وإرفورت وكولونيا بألمانيا حيث آمن حينها الأوروبيون بإمكانية زوال الطاعون تزامنا مع زوال اليهود من العالم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *