أخبار الطيبةكلمة حرةمستشار القراءهذه طيبتي

مع المستشارة التربوية والأسرية أحلام جمعة- “إبني جنني بدو أشتريله تلفون..!”

” إبني جنني بدو أشتريله تلفون.. دايما يلح علي ويقوللي كل أولاد صفي أهلهم جابولهم تلفونات، وفش إلا إنتي مش راضية؟ إبني بعده بالصف الرابع، والصراحة أنا مش مقتنعة إنه يحمل تلفون بهذا الجيل، بس شفقانة عليه لأنه فعلا كل أولاد صفه معهم تلفونات وبجيبوهن عالمدرسة.. أنا فاهمة إنه بشعر مختلف عنهم، وعشان أسكّته وعدته إني راح أشتريله تلفون السنة الجاي“.

المستشارة التربوية احلام جمعة
المستشارة التربوية أحلام جمعة

قد يكون هذا مشهد مألوف لدى الكثير من الآباء. الأبناء يطلبون ويلحون للحصول على أحدث ما أنتجته التكنولوجيا من أجهزة متطورة وذكية، والآباء يستجيبون لطلب أبنائهم، دون النظر إلى حاجتهم لها وإلى تناسبها مع جيلهم.

ما المشكله هنا؟

الأم تتعرض لضغط عاطفي من قبل ابنها الذي يلح عليها لاقتناء هاتف كباقي زملاءه في المدرسة، وبالرغم من عدم اقتناع الأم بذلك، وعدته بشراء هاتف في العام القادم، حتى تكسب هدوءه ورضاه. الأم تبدو مترددة وغير مدركة تماما إذا كان امتلاك ابنها للهاتف مناسبا لسنه ولدرجة نضوجه النفسي والعاطفي، فقد استجابت لإلحاحه بدافع الشفقة، ولم تكن حازمة حين اتخذت موقفا مناقضا لرؤيتها التربوية.

ما العمل؟

قبل اتخاذ القرار باقتناء جهاز لطفل في التاسعة من عمره، يجب التحقق من بعض الأمور:

  • هل شراء الهاتف لابن التاسعه ضروري، وما مدى حاجته له؟
  • هل أتوقع أن يستخدمه بشكل سليم ومسؤول في هذه السن؟ وهل يستطيع أن يتحكم بنوعية وكمية المضامين التي تعرض أمام عينيه، والتي تمكّنه من تحميل أي محتوى يريده أثناء استخدامه لهذا الجهاز؟
  • ماذا أتوقع أن يحدث عندما ينفرد ابني بالجهاز الذي أصبح ملكه، يتصرف به كما يشاء طوال النهار وخلال الدوام المدرسي، وحينما يرجع لمنزله ليكمل ما تبقى من يومه وليله؟

قبل الإجابه على هذه الأسئلة، علينا أن ننتبه إلى أن أي لمسة إصبع على الهاتف الذكي، يمكنها أن توصل صاحبها إلى أي مكان في العالم لم يقصد أن يصله، وأن الانفتاح غير المحدود على شبكة الإنترنت، يوفّر مضامين غريبة وشيقة تثير حب استطلاعه، وتجذبه إلى أماكن لم يفكر بها ولم يقصد الدخول اليها، فما بالك إذا كانت هذه أصبع طفل لا يتجاوز التاسعه من عمره؟

لا مجال هنا للتطرق إلى أضرار استخدام الهواتف الذكيه وخاصة على الأطفال، سواء من الناحية الصحية أو من ناحية احتمالات التعرّض للإساءه أو التهديد أو الاعتداءات، أو من ناحية التعلّق النفسي والإدمان، وما يتبعه من انعكاسات سلبيه على الحياة الدراسية والاجتماعية والنفسية. ولكن الخطورة هنا تكمن في انتشار المضامين الإباحية والجنسية بكثرة، وفي كل مكان على شبكه الانترنت وبشكل متاح للجميع، دون رقابة ودون الحاجة للتفتيش عنها في محركات البحث.

موضوع انكشاف الطفل المبكّر للمضامين الإباحيه هو أمر في غاية الخطورة، إذ يتوجب عدم الاستهتار به أو تجاهله، فهو كافٍ لأن يعرّض الطفل لصدمة نفسية (trauma)، بسبب عدم نضجه وعدم قدرته على استيعاب وهضم ما يراه. وكأي صدمة يتعرّض لها الطفل، يمكن ملاحظتها إذا ظهرت لديه تغييرات نفسية وسلوكية غير اعتيادية، وإذا لم يُعالج الأمر فإن أعراضه ستستمر إلى المدى البعيد، لتؤثر وتشوّش على جميع مناحي حياته مستقبلا.

فقد بيّنت الدراسات الحديثة، أن تأثير الإدمان على مشاهدة المواد الإباحية، يُحدث ضررا لخلايا الدماغ تماما كضرر الإدمان على الكحول والمخدرات، ولكن الضرر يكون أكبرا إذا تعرّض لها الشخص في سن مبكرة، لأنه يُحدث تغييرا في مبنى دماغه، ويؤثر على سلوكه ويعرضه للانحراف مستقبلا.

كيف أستطيع أن أميّز أن ابني تعرض أو يتعرض لمحتوى إباحي؟

إذا لوحظت تغييرات مفاجئة وغير مفهومة في سلوكه مثل تأخر دراسي، تغير في المزاج، سرحان، انطواء وعُزلة اجتماعية، علامات ضائقة نفسية واكتئاب، حالة من النكوص مثل التبول الليلي، تلفّظ بكلمات أو سلوكيات ذات دلالات جنسية، حالات تحرّش أو اعتداء على الآخرين، تغيّر في عادات الأكل والنوم، ميل للكتمان، خجل وارتباك بعد تصفح الإنترنت، نوبات غضب، خوف وغيرها من التغييرات المفاجئة.

يجب الإنتباه إلى أن هذه العلامات قد تحدث عند الطفل بسبب أمور اخرى تقلقه، وليس حتما بسبب تعرضه لمحتوى إباحي.

ما العمل؟

إذا اكتشفت أن ابني يشاهد مواد إباحية، علي أن أتحدث معه بداية دون أن اقوم بتأنيبه، بل أحافظ على قنوات تواصل مفتوحة معه، وأعالج الأمر دون توتر. لا أتحدث معه مباشرة عن مضمون ما شاهده لصغر سنه، ولعدم قدرته على استيعاب ذلك، بل أتحدث معه بصورة حذرة، وأساله إذا صادف خلال تصفّحه بالإنترنت أمورا جعلته يشعر بعدم الراحة، وأشرح له بصورة مبسّطة حول الخصوصيه، والتأكيد على خصوصية أعضاء الجسم، وضرورة سترها وعدم السماح للغير برؤيتها أو لمسها، حتى لو كان شخصا ذو معرفة من الأقارب أو الأصدقاء أو غيرهم، كما لا يُسمح لنا بمشاهدة عورات الآخرين، سواء على الشاشة أو في الحياة الواقعية. من المهم التركيز على التربية الدينية، من حيث الحث على غض البصر وتحريم النظر إلى ما يظهر من أجسام الآخرين، وما يكشف عن عوراتهم، فهذا من شأنه أن يمنح الطفل حصانة وقدرة على التمييز بين الصواب والخطأ، حتى لو تعرّض لهذه المضامين عن طريق زميل أو صديق، أو بشكل عفوي خلال تصفحه الإنترنت.

 

الوقاية خير من ألف علاجاتخاذ التدابير اللازمة يحمي الأبناء من الوقوع في هذه الآفه:

  1. يُرجى تأجيل شراء جهاز مزود بالإنترنت للطفل، إلى حين يحتاجه عند بلوغه، إذ يمكنه التدبّر بدونه حتى المرحلة الثانوية، فهناك الكثير من الطلاب الذين لا يستخدمون الهاتف ولا يملكونه، وهم من أفضل الطلاب دراسيا واخلاقيا.
  2. من الناحية التربوية، يوصى بإدراج خدمات مراقبة وحماية الكترونية من مضامين العنف والجنس في شبكة الإنترنت البيتية، وغيرها عن طريق الشركات المختصة، بهدف منع دخول مضامين مسيئة للجهاز، وليس لمنع الطفل من استعمال الإنترنت.
  3. التحقق من خلو المواقع والألعاب الإلكترونية، والرسوم المتحركة من اللقطات الإباحية، قبل السماح للطفل بمشاهدتها.
  4. يُسمح للطفل استخدام الجهاز (هاتف، تابلت، حاسوب وغيره)، في وقت يحدده الوالدان، وفي مكان ظاهر للعيان في المنزل، وبمعرفة محتواه ومدى ملائمتة لجيل الطفل، وللقيم الأخلاقية والتربوية. إذا كان جيل الطفل صغيرا، يفضّل بناء قائمة محددة للمواقع التي يُسمح له بالدخول إليها فقط.
  5. من المهم ألا يُترك الطفل دون الانشغال بنشاطات مفيدة، وإلا سيكون عرضة للملل، وليجد الهاتف ملاذا يلجأ إليه ويُبحر دون حدود، حتى يقع في الإدمان.
  6. عندما نشرح للطفل عن مخاطر الإنترنت، يجب الحذر من المبالغة في ذلك، والمحافظة على التوازن، لأن المبالغة في التحذير تثير وتزيد من حب استطلاع الطفل لهذا الموضوع. وإذا لم نلاحظ ما يدل على تعرّض الطفل لهذه المضامين، فلا داعي لأن نُحدث توترا واثارة زائدة حوله.
  7. وأخيرا، يجب الاهتمام بتفعيل السلطة الوالدية، وإبداء الحزم عند اللزوم، وعدم فسح المجال للمفاوضات عندما يتعلق الأمر بالمبادئ التربوية والاخلاقية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *