نواف زميرو من قلنسوة تحدى الاعاقة وقفز اعلى سلم النجاح اكثر

نواف زميرو ابن قلنسوة الذي تحدى نظرة المجتمع السلبية للمعاقين والمختلفين بشكل عام والتي كانت حدتها اكبر في طفولته، تخطى الصعاب وحقق النجاح تلو النجاح

تقرير: صائب ناطور

رغم كونه يستقل العربة الكهربائية ولا يستطيع التنقل او المشي بدونها الا انه قفز في سلم الحياة اكثر من درجة واحدة، كل خطوة، انه الشاب المعاق نواف زميرو ابن قلنسوة الذي تحدى نظرة المجتمع السلبية للمعاقين والمختلفين بشكل عام والتي كانت حدتها اكبر في طفولته، تخطى الصعاب وحقق النجاح تلو النجاح، فهو الان مركز الخط الاستشاري في بيت ايزي شبيرا ويتطوع في عدة اطر ومجالات والكثيرين يستشيرونه في امور تتعلق بالاعاقة والمعاقين وحقوقهم، التقينا الاخ زميرو وكان لنا هذا اللقاء :

– لمحة عن معاناتك بظل الاعاقة كطفل واليوم؟

– أعاني منذ الولادة من إعاقة حركية تدعى ضمور العضلات تتمثل بضعف في عضلات الأطراف مما أدى إلى عدم القدرة على المشي ولذلك أنا استعمل العربة الكهربائية.

بداية حياتي كانت صعبة جدا، شعرت أن الإعاقة قد حرمتني الكثير، منعتني من الحرية التامة وفرضت علي الكثير من الصعاب، وأكثر ما آلمني أنني لا استطيع أن العب كرة القدم، نعم أردت أن أمارس الرياضة التي أهواها، وجن جنوني حينما كنت أرى أولاد حارتنا يلعبون وأنا فقط أراقبهم من بعيد!!!

أصبحت اخرج من البيت في البداية بواسطة دراجة هوائية بمرافقة أصدقائي أو أقربائي، وقد بحثت عن سبل السعادة، ووجدتها في ممارسة ما اعشقه وأهواه فاشتركت في نادي الشبيبة آنذاك ولعبت الرياضة الملائمة لوضعي مثل تنس الطاولة والرياضة التفكيرية وما شابه، واشتركت مع أصحابي في مباريات كرة القدم بصفتي حكما لهم أو مدربا وموجها، وما غير ظروفي للأفضل هو حصولي على عربة كهربائية جديدة جعلتني أكثر استقلالية في تحركي وكونت علاقات اجتماعية متنوعة وزرت ما استطعت من أماكن للترفيه عن نفسي، وغرست في نفسي الصبر والثبات ومضيت قدما في مشوار الحياة الصعب.

مسيرتي التعليمية انتهت بعد تخرجي من مدرسة قلنسوة الثانوية بتفوق، وقد تعلمت دورة حسابات مبسطة من قبل التامين الوطني، وضعي الصحي المتدهور حال دون التحاقي بالجامعة كباقي زملائي.

لقد وهبت جل أوقاتي لمحاربة الأفكار المسبقة تجاه المعاقين ورفع مكانتهم ودفع قضية الإعاقة للنقاش العام، وذلك من منطلق إيماني بأن العيش الكريم هو للجميع ولا فرق بين معاق أو معافى ولإدراكي بمدى معاناة ذوي الإعاقة فلا احد يدرك مدي آلام ومعاناة المعاق سوى المعاق نفسه.

وفي الوقت الحالي اعمل في مركز سنديان في قلنسوة التابع لمؤسسة بيت ايزي شبيرا. حيث يقدم خدمات علاجية لـ 45 طفل من أجيال السنة الأولى حتى جيل 6 سنوات من ذوي الاحتياجات الخاصة سكان المثلث الجنوبي واعمل كمركّز لخط استشاري يقدم خدمات معلوماتية لدعم ومساندة عائلات لديها أطفال معاقين في منطقة المثلث الجنوبي.

– كيف تخطيتها وكل الصعاب؟

-وبفضل الله وإيماني به وبقوله من يتق الله يجعل له مخرجا سعيت لتصحيح المسار، فمع مرور الوقت وازدياد خبرتي الحياتية صحوت من غفوتي على أنقاض أفكاري البغيضة ولملمت أشلاء شجاعتي ورفعت بصري إلى السماء وعاهدت نفسي أن أنتصر في صراعي ضد الإعاقة وأن اخرج إلى الحياة وصرت بإصراري أبحث عن الحياة رافضا رفع الراية البيضاء والرضوخ لليأس والضعف والإحباط ، وذلك تطلب أن أبقى قويا وأكثر قدرة على المواجهة ومواصلة التحدي والإصرار فولدت لدي الإرادة والثقة بالنفس فكما يقال في القمة يحيى أصحاب الإرادات القوية.

ان افراد أسرتي لعبوا دورا كبيرا في إشباع حاجاتي النفسية والاجتماعية، وكنت مقبولا ومحبوبا من جميع افراد الأسرة وخاصة الوالدين، وزادت الأسرة بدعمها واهتمامها من قدراتي الحسية والجسمية والنفسية والعقلية والاجتماعية واثرت ونمت من مهاراتي وأصبحت اعتمد على نفسي في بعض المواقف والمجالات.

– من آزرك كمعاق: الاهل، الاقارب، المعلمون والاخصائيون؟

-ولا أنسى دور أفراد عائلتي الذين يؤازرونني ويساعدونني وأحسنوا تربيتي ورعايتي وتحملوا شقاء حياتي في جميع الأوقات، ثم بفضل التشجيع المتواصل من قبل الأقارب والأصدقاء الذين لم يبخلوا علي بشيء لاسيما الدعم المعنوي الهام.

-برامجك للمستقبل؟

أطمح بوجود مركز يوفر خدمات ترفيهية للمعاقين في المنطقة لأننا نرى الكثير من أصحاب الإعاقة يتجولون بشكل عشوائي في الشوارع دون أن يكون لديهم إطار يحميهم ويجمعهم، وخاصة لأخواتنا ذوات الإعاقة اللواتي يعانين الأمرين بسبب انعزالهن عن المجتمع. ويجب الإشارة إلى أن المعاقين في الوسط العربي يعانون من الاهمال أولا لأنهم عرب وثانيا لكونهم من ذوي الاعاقة، الأمر الذي من الصعب تحمله.

– لمحة عن الكتاب؟

هذه الرسالة الإنسانية والاجتماعية اردتها ان تكون النافذة التي يطل من خلالها القراء على جوانب من عالم الإعاقة الرحب المليء بالمعلومات الخفية والتفاصيل الإنسانية وناشدت بها افراد مجتمعي ان يروا ذوي الإعاقة بمنظار مختلف وجديد يتضمن تعامل سليم ومنصف تجاههم.

– رسالتك او نصيحتك للمعاقين وللاصحاء خاصة الاطفال؟

رغم كل ما أمر به ومررت به إلا أني أحس بالسعادة، لقد آمنت أن الإنسان في هذه الحياة لكي يحصل على نسبة معقولة من السعادة يجب أن يتقبل ظروفه ويحاول أن يتكيف معها وتكون لديه قناعة بما كتب الله له، فلا يقارن نفسه بالغير. وعليه أن ينظر إلى الحياة من حوله نظرة متفائلة ويعيش على الأمل الذي ينير الطريق لكل إنسان طموح، ومما لا شك فيه أن تحقيق الآمال والوصول إلى ما تصوب إليه النفس يحتاج إلى كثير من العمل والمثابرة وتحمل الصعاب، فصحيح ان الإعاقة صعبة ومؤلمة ولكن الله عوضني ومنحني نعم كثيرة جعلتني ذو شخصية شاكرة لله ومتحملة لكل الآلام والحمد لله على ذلك.

-حدثنا عن عملك وتطوعاتك!

منذ سنة 1999 كنت أتطوع في مشروع يدعى مجتمع متواصل بتمويل شركة المراكز الجماهيرية وأنا مركز المشروع في مركز قلنسوة الجماهيري، وقد قمنا بالعديد من المشاريع أهمها:

ضمن حملات توعية لتغيير نظرة المجتمع السلبية تجاه المعاق حرصنا على وإبراز دور المعاقين والتعريف بهم، واحترام حقوقهم وأنهم ليسوا عالة على المجتمع كما يعتقد كثير من الناس.

تغيير المدخل الخارجي لفرع بنك هبوعليم الغير ملائم لاستقبال المعاقين مستعملي العربات المتحركة ولكونه البنك الوحيد في قلنسوة ويخدم جميع معاقي قلنسوة.

إشراك الأطفال المعاقين في احتفالات الأعياد والمناسبات المختلفة، فمنذ 8 سنين تقام الفعاليات الترفيهية لجميع الأطفال المعاقين في قلنسوة ويتم إخراجهم من روتين حياتهم اليومي ودمجهم بفعاليات ودورات ضمن فعاليات المركز الجماهيري.

عرض مسرحيات خاصة مثل “مملكة المرايا” و”رقصتي مع أبي”تحكي عن قضية الإعاقة وتقبل المختلف.

افتتاح نادي للنساء المعاقات في قلنسوة إذ يستقبل أخواتنا المعاقات مرتين في الأسبوع. وأقوم بشكل شخصي زيارة المدارس وخاصة البساتين والحضانات وقراءة قصة شعبية للأطفال لكي يحتكوا بالمعاق ويتعاملوا معه وجها لوجه ولكي لا يخافوا منه أو يسخروا منه في بعض الحالات، وقد أعطت هذه الفعالية ثمارها وأصبح للمعاق صورة أخرى لدى هؤلاء الأطفال.

منذ اكثر من 13 سنة اقوم بكتابة مقالات تتضمن قضايا وظروف ذوي الاعاقة من صعاب واهات ومشاكل تواجههم كما وأقوم بترجمة حقوق وامتيازات ذوي الاعاقة ونشرها للاستفادة منها من قبل الجميع. وفي مضمار اضافي اجريت المئات من المحاضرات والفعاليات بموضوع تقبل الاخر ولجميع المستويات والأجيال من رياض الاطفال وحتى الكليات وارى بهذه النشاطات وسيلة ناجعة لتعريف افراد المجتمع على عالم الاعاقة والمعاقين المجهول لمعظمهم، وبناء جيل جديد يملك ويحمل مضامين ومفاهيم مجتمعية حضارية تخص موضوع تقبل المختلف بغض النظر عن شكله وهيئته الخارجية.

بعد أن لمسنا في مركز سنديان انعدام خدمات الدعم والمعلومات لأسر المعاقين وضمن مخطط لتوسيع نشاطنا وفعالياتنا، تم تأسيس خط استشاري الذي يقدم خدمات معلوماتية لدعم ومساندة عائلات لديها أطفال معاقين في منطقة المثلث الجنوبي. وأنا اعمل كمركز للخط الاستشاري حيث اقوم بتزويد وتوفير معلومات من حقوق وامتيازات وإعفاءات لذوي الاعاقة وأهاليهم ونجيب عن استفسارات ونلبي احتياجات الاهالي او ذوي الاعاقة المتوجهين مجانا.

وقد قمت أيضا بتأليف كتاب”جسر الأمل” الذي يحتوي على مسيرة حياتي كشخص ذو إعاقة في الوسط العربي وما يواجهه من عراقيل وصعاب.

– وكلمة للمسؤولين

حقيقة فئة ذوي الاعاقة مهمشة للغاية من قبل السلطات المحلية والبرامج الداعمة ونقص فاضح في مجال المقرات والنوادي التي تقدم الخدمات الترفيهية والاثرائية فمثلا بعد ساعات التعليم الالزامي لذوي الاعاقة لا يوجد اطر ترفيهية ما بعد انتهاء الدوام وكذلك تفتقر بلداتنا لخدمات صحية محلية مثل برك السباحة العلاجية والحدائق العامة المتاحة والكثير من الوسائل العلاجية المتقدمة مثل ركوب الخيل.

– قصتي مع الأطفال

قمتُ بطرق أبواب الروضات وتعريف الأطفال على إعاقتي وماهيتها بأسلوب يذيب مشاعر الخوف الجليدية بيننا ويكسر حاجز الرهبة فكنتُ أجلس بوسطهم وأداعب براءتهم الطفولية وأوزع عليهم تعابير التشجيع والإعجاب وأزودهم بمفاهيم القيم والأخلاق السامية بشكل مبسط وبلغة سلسة تتناسب مع أجيالهم ومستواهم التفكيري فزرعتُ الثقة والأمان بيننا وقمتُ بسرد قصة مثيرة عليهم لأزين الزيارة ببسمة وسعادة. وخلال اللقاء كنتُ أتيح للأطفال التعبير عن أنفسهم والحديث والاستفسار عما يجول في خواطرهم، كل حسب دوره في التكلم ليتعلموا نظام الحديث السليم، وكنتُ أصغي لأحدهم حول جده المريض وكيف يقوم بمساعدته اليومية وآخر تحدث عن جاره المعاق وكيفية تنقله بالعربة من مكان لآخر..

– هل تشعر بفوارق من ناحية التعامل/ نظرة المجتمع / نظرة العاملين كونك عامل مستقل مع اعاقة؟

في الوهلة الاولى للقاء بي اشعر ان الطرف الاخر يستخف بقدراتي وغالبا ما ارى انه لا يتوقع مني المنفعة والاستفادة كأنه لا يؤمن بقدراتي او حتى بقدرتي على الكلام، ولكن مع مرور الوقت والاحتكاك العميق ونجاحي في التغاضي عن الاستهتار وكذلك اثرائه وتلبيته الخدمة التي بحث عنها بنجاعة حينها يحدث هناك تغيير وانقلاب كلي وجذري بهذه النظرة الاولية المغلوطة وتصبح نظرة اعجاب وتقدير…


Exit mobile version