عندما أشارك بتشييع مغتصب أمي وقاتل أبي وتعداد مناقبه، بقلم: وديع عواودة

برقيات ضمن النقاش حول مشاركة/مقاطعة ” المشتركة ” بتشييع جثمان رئيس إسرائيل شيمعون بيرس:


1.على المتابعة والمشتركة تعليل موقفها للناس بنص مكتوب بالعربية والعبرية.

2. مخاطبة الجانب الإسرائيلي وتجنيد شركاء وحلفاء يهود وأجانب لنضالنا عملية لا يتنازل عنها إلا من بقي برأسه ربع عقل. وليتذكر من يتحدث عن دورنا كجسر للسلام أن الجسر يحتاج لضفتين وطرفين مقابلين. البحث عن شركاء لنضالنا بالجانب اليهودي مسؤوليتنا نحن وإن بدت رحلة جبلية صعبة.

3. نحن فلسطينيون ومواطنون في إسرائيل.

مواطنتنا فيها بحد ذاتها تسوية من طرف أصحاب الوطن الأصليين لكنها ما زالت مواطنة غير ناضجة وليست كاملة لأن إسرائيل بالأساس لم تأخذها بجدية وما زالت ترى بنا خطرا أمنيا وديموغرافيا(لجنة أور أيضا تقر بذلك). في أستراليا وكندا وغيرهما يعامل السكان الأصليون كأبناء مدللين. لأن الصراع يدور على وطن ومواطنة لا على لعبة كرة قدم أو على عشرة دونمات أرض فمن الطبيعي أن تبقى قضايا جوهرية عالقة بيننا وبين إسرائيل حتى اليوم رغم كوننا مواطنين منذ سبعة عقود. مواطنتنا المركبة تعني إدارة الصراع من طرفنا أيضا ومن غير المطلوب منا أن نلغي ذاتنا وروايتنا وهويتنا كي نحافظ على مواطنة منقوصة أو نتقي شر الحملات السياسية والإعلامية علينا. الحديث لا يدور عن جنازة عادية كالشعائر الجنائزية في بلداتنا العربية. هذه طقوس صهيونية تقيمها دولة تتطابق فيها رواية ومسيرة بيرس مع روايتها ومسيرتها المتطابقة مع نكبة شعبنا.

موت بيرس يذكرنا ويذكرهم بالمعضلة التاريخية : نحن مواطنون في دولة بحالة حرب مع شعبنا المحتل فكيف نقفز عن الواقع لنبلغ مرحلة الحياة الطبيعية الاعتيادية ونحن بعيدون عنها والصراع ما زال مفتوحا. حتى الرئيس الأمريكي قال بالأمس” حضور الرئيس عباس هنا يذكر بأن مهمة لم تنجز بعد” وحذر من استمرار واقع ” الأسياد والعبيد” !

4. هذا ليس حزنا شخصيا بل حدث قومي يقوم على الرواية والرموز الصهيونية التي لم تترك لنا مقعدا حقيقيا فيه(حتى يارون لندن تحدث قبل أسبوعين عن حق المواطنين العرب بالحزن في كل ذكرى وطنية لهم وعن مسؤولية إسرائيل التاريخية على النكبة بالتهجير والقتل”. هذه إسرائيل تبكي رحيل آخر مؤسسيها وربما تبكي على حالها لرحيل ” الأب ” أو ” الأخ البكر ” قبل أن تستقر وهي عالقة بأزمة ورطت حالها وترفض تقاسم البلاد والبيت كما قال الأديب عاموس عوز بكلمته أمس.. فبأي حق إنساني وأخلاقي يطلب منا المشاركة بذرف الدموع على هذا الفقدان وهو من أفقدني وطنا وتكرم علي بمواطنة يعترف هو بأنها ناقصة واصطناعية. مع ذلك شارك قيادتنا قبل 21 عاما بتشييع اسحق رابين لأن إسرائيل كانت وقتها تتجه نحو تسوية الصراع مع الشعب الفلسطيني وبدأت تخطو خطوات حقيقية نحو مواطنة متساوية وشراكة حقيقية. وهذا يعني أن مقاطعة تشييع بيرس ليست طلاقا من المواطنة في إسرائيل.

5. يكفي أن لا نشمت برحيل بيرس الذي شارك بالمسؤولية عن مجزرة كفرقاسم وفتح النار علينا في يوم الأرض الأول عام 1976 وفي 2000 وفي كثير من الحروب على شعبنا ولم يقدم لنا سوى كلام معسول. أما أن نشارك بتشييعه في مثل هذه الطقوس التي تقطر صهيونية من كل أطرافها فهي كمن يطلب من شاب شهد اغتصاب والدته من قبل غريب وقتل والده خلال الدفاع عن زوجته أن لا يكتفي بالصفح والغفران بل بالمشاركة ببيت العزاء وتعداد مناقب الفقيد. إذا اعتمدنا المقولة السطحية أننا مواطنون في إسرائيل وعلينا القيام بممارسة إسرائيليتنا فلماذا إذن لا نعود للاحتفال بعيد استقلال بلادي ونغني مع الطير الشادي باعتبار أن هذه مناسبة هامة لدولتنا العزيزة ؟

6. الارتماء بأحضان إسرائيل طمعا بالعيش الرغيد وبالحقوق هو وهم وسراب حتى وإن أحاط بنا عالم عربي منهار يذبح بعضه البعض فالتهود والتصهين ليس هو الحل. المواطنون العرب الدروز يقدمون أكثر بكثير من مشاركة بجنازة رسمية فهل تختلف أحوال بيت جن عن أحوال سخنين من ناحية الحقوق والميزانيات ؟ الحصول على الحقوق لا يتم من خلال التذلل والاستجداء والاعتراف برواية المحتل وإسباغ الشرعية على ما فعله ويفعله. هذا أكثر من تنازل وأقرب لإلغاء مجاني للذات وهذا أصلا غير مطلوب. مثل هذه المشاركة الرمزية التي تعني الاعتراف برواية إسرائيل ينبغي أن تقابل باعتراف معاكس وبتغيير رموزها بحيث يصبح لنا مكانا حقيقيا فيها ومواطنة حقيقية. البحث عن طريق قصيرة بدلا من المشوار الطويل لن يصل لمواطنة محترمة تضمن الحقوق والكرامة الوطنية.

7. الرئيس عباس شارك بالجنازة تحت زخات من الشتائم والتعليقات العربية والفلسطينية الساخرة ولم يتكرم أحد من الخطباء ذكره باسمه. رحبوا بأمير لوكسمبورغ وتجاهلوه. مشاركة الرئيس عباس لا تعني أن مقاطعتنا خطأ، فهي الأخرى خطأ وتنطوي ضمن اللهث وراء سراب ولم يعد بالإمكان إحراج حكومة نتنياهو بالعالم إلا بالنضال الشعبي الحقيقي. استحضار مشاركة عباس لمهاجمة المشتركة على مبدأ إننا كاثوليك أكثر من البابا فهي مقارنة ديماغوغية وخطأه لا يعني الاقتداء به. حينما سيموت عباس هل سيشارك وفد إسرائيلي رفيع بجنازته في رام الله(لم نقل صفد)؟

8. هل شاركت وفود سياسية إسرائيلية بتشييع جثمان الرئيس ياسر عرفات ؟ لقد استكثروا المشاركة بتشييع جثمان نواب في الكنيست كتوفيق زياد وتوفيق طوبي ؟

9. لم يبادر بيرس نفسه لما يتيح لنا المشاركة بجنازته حتى بالأقوال..فهل سمع أحد عن نقد لها لحملات نتنياهو علينا من خطاب الحافلات حتى خطاب ديزنغوف أو لتهرب نتنياهو من السلام؟ حتى اتفاق ” الكتلة المانعة ” لم يساهم فيه بيرس بخلاف ما يشاع.

10. الإعلام العبري يبحث عن قصص للتهويل كعادته فلا نكترث به وهناك أوساط يهودية لا تتوقع مشاركتنا في مثل هذه الطقوس الصهيونية وتتفهم مقاطعتنا لها. ليس مطلوبا من الغصن الذي فقد أمه الشجرة أن ينحني كل يوم أمام قاطعها.. ويكفي أنه يرضي بالعيش والحوار معه لتوفير معادلة تجمع الوطن والمواطنة.. الحقوق والكرامة وهذه مسيرة تاريخية تحتاج لنفس طويل فالحديث عن خلاف تاريخي بين شعبين على وطن لا على حمولة بطيخ من البطوف ! مع ذلك وبالذات بسبب ذلك علينا أن نقول ذلك بهدوء ومنطق بالعربية والعبرية دون معارك لفظية بالغنى عنها وتفويت الفرصة على من يحاول شيطنة السياسة العربية والسياسيين العرب بعيون العرب واليهود. ما جرى يكشف أيضا الحاجة الملحة بأن ترتب ” المشتركة ” أوراقها وتفضل الحسابات الجامعة على الفردية مثلما أنه على ” المتابعة ” الكف عن ترك الساحة للمشتركة بصمتها بمثل هذه القضية وغيرها.

Exit mobile version