الأخبار العاجلةفلسطين 67

مدير سلطة الآثار الاسرائيلية السابق يعترف بتدمير مئات القبور الاسلامية في مقبرة مأمن الله في القدس تمهيداً لبناء “متحف التسامح”

كشف كتاب “تحت السطح” الذي صدر مؤخرا للمؤلف “شوقا دورفمان” – المدير السابق لما يسمى بـ “سلطة الأثار الإسرائيلية” حتى عام 2014، عن اعترافات خطيرة حول الحفريات التي نفّذتها “سلطة الآثار” في الأعوام 2005 – 2006 في مقبرة مأمن الله الإسلامية في مدينة القدس، تمهيدا لبناء ما أطلق عليه “متحف التسامح” على  نحو 25 دونما مما تبقى من أرض المقبرة.

ca13c775-edf6-44f2-8942-b4483f0bc68a

واعترف دروفمان في كتابه الذي ألّفه قبل عامين من وفاته، أنه ما كان ينبغي السماح بإجراء حفريات للجزء المتبقي من مقبرة مأمن الله التاريخية – التي أدت إلى تدمير مئات القبور الإسلامية -، وكشف في الوقت ذاته عن ضغوط هائلة مورست عليهم من عدة مستويات كمنظمة “فيزنطال” المبادرة لمشروع “متحف التسامح” ولها ارتباطات قوية بشخصيات إسرائيلية سياسية فاعلة ومقرّها ولاية لوس انجلوس في الولايات المتحدة الامريكية، مما أدى في نهاية الأمر إلى اتخاذ قرارات خاطئة وطمس وتدمير العديد من القبور الإسلامية.

ويشير دروفمان في فصل “ديكتاتورية العظام” من كتابه، إلى أن الحفريات في مقبرة مأمن الله تعتبر “من القضايا المثيرة والكئيبة المتعلقة بحفر القبور القديمة التي رافقت إقامة متحف التسامح وحفر القبور في مقبرة مأمن الله”.

قبور إسلامية تغطي موقع الحفريات

ويعترف دروفمان أن عمليات فحص أولي تمت في مطلع عام 2005 لتهيئة الأرض والبدء في المشروع، واتضح حينها لـ “يوفال بروخ” – مسؤول الآثار لمنطقة القدس – أن قبورا إسلامية تغطي كل المساحة تحت الاسفلت – حيث أقام الاحتلال سابقاً موقفا للسيارات على أرض مقبرة مأمن الله  -، مؤكدا أن بروخ “ليس الوحيد الذي نبّه وحذّر من هذا الأمر أمامي، كان واضحا لي أنه من أجل استمرار البناء يتوجب إجراء حفريات في موقع القبور والرفات”.

ويتابع: “لم يتوقع أحد من متخذي القرار في حينه أن هذه ستكون بداية قضية ستستمر شهورا طويلة تمت خلالها حفريات واسعة في مقبرة مأمن الله، وهي ليست مجرد بضع قبور مبعثرة كما توقعنا في البداية”، علماً أن “مأمن الله” هي مقبرة إسلامية منذ القرون الوسطى – بداية العصر الإسلامي الأول-  وهي من أهم المقابر الإسلامية في مدينة القدس.

عمليات الحفر ونبش القبور في مقبرة مأمن الله الإسلامية، كما يوضح دروفمان، “بدأت في ذروة موسم شتاء ماطر وعاصف، حيث تغطت الأرض بالأمطار وتحوّلت إلى وحلية، وبالرغم من أن سلطة الآثار مهيئة لتنفيذ حفريات في أجواء مماثلة، إلا أن الظروف كانت صعبة وغير محتملة، وفي مثل هذه الحالات لا يمكن الاستمرار في الحفريات بطرق صحيحة ودقيقة”.

ضغوطات هائلة

“بعد بحث مستفيض وطلبات متكررة من المبادرين للمشروع بمواصلته، تم بناء خيمة عملاقة في الموقع وتجفيف الأرض والتراب الرطب بواسطة أفران عالية الحرارة، واستمرت الحفريات بعد تسييج الموقع بسياج حديدي على طول ستة أمتار”، يوضح دروفمان.

ويصف دروفمان تلك الأيام بالعاصفة جدا، “إن كان ذلك في حالة الطقس أو لدى المبادرين للمشروع”، حيث قامت مجموعة من المستشارين للمشروع ومنظمة فيزنطال وشخصيات نافذة، بالضغط على سلطة الأثار الإسرائيلية بتعجيل الحفريات وإنهائها بأسرع وقت ممكن، مشيرا إلى الضغوطات كانت هائلة ولا تطاق في كثير من الأحيان.

جريمة أثرية جماهيرية

“وبالفعل”، يواصل دروفمان اعترافاته، “تواصلت الحفريات بوتيرة عالية إلى أن قررت المحكمة وقف العمليات في الموقع، حتى إجراء مداولات لفحص قانونية الحفريات الأثرية وشرعية البناء المخطط فيه”. وجاء ذلك استجابة للاستئناف الذي تقدمت به مؤسسة الأقصى لإعمار المقدسات الإسلامية لاعتراض الانتهاكات الجسيمة التي تعرضت لها مقبرة مأمن الله الإسلامية.

ويشير دروفمان في كتابه إلى أن مشروع “متحف التسامح” أشغل أطرافا عديدة من بينهم مبادرون أصحاب نفوذ سياسي ومالي وقيادات ومدراء مشاريع وإعلاميون من مشارب متعددة، كما كشف عن تصريح لعامل سابق في سلطة الآثار هو عالم الآثار جدعون سليماني الذي أدار الحفريات في مقبرة مأمن الله في موسمها الأول، والذي وصف بعد خروجه من سلطة الأثار الحفريات التي أجراها بنفسه، بأنها “عملية عدوانية لليهود ضد العرب لطمس وتدمير التاريخ الإسلامي”، معتبرا إياها جريمة أثرية وجماهيرية.

“كان من الواجب عليّ إيقاف الحفريات في مراحلها الأولى”

ومن أبرز الاعترافات التي نشرها “شوقا دورفمان” في كتابه “تحت السطح” حول الحفريات في مقبرة مأمن الله، كان إدراكه لوجوب إيقاف أعمال الحفريات في المقبرة الإسلامية في مراحلها الأولى: “واضح لي كمدير لسلطة الآثار الإسرائيلية أنه كان من الواجب عليّ إيقاف الحفريات في مراحلها الأولى وعدم السماح بهدم هذا الجزء من المقبرة التاريخية. في مراحل الحفريات الأولى لم تكن معروفة لدي المعلومات الدقيقة عن ماهية هذه المقبرة، أضف الى ذلك أنني لا أنفي دور الضغوطات الهائلة التي مورست علينا وعطلت على قراراتنا وحكمنا على الأمور، مما أدى إلى القرار الخاطئ بحفر مئات القبور”.

وتؤكد هذه الاعترافات على التحذيرات التي أطلقتها مرارا عدة جهات فلسطينية من أن جرائم اقترفت بمنهجية ضد مقبرة مأمن الله والقبور ورفات الأموات المسلمين فيها، والتي اشتركت فيها أذرع الاحتلال الإسرائيلي على عدة مستويات، علماً أن بناء “متحف التسامح” يتواصل منذ سنوات وقد تسارعت وتيرته في الأسابيع الأخيرة، حيث أوشك بناء الهيكل الأساسي للمبنى على الانتهاء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *