طال انتظارنا لعيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام! ، بقلم : الشيخ رأفت عويضة، إمام مسجد بلال بن رباح في الطيبة

يتزامن في هذه الأيام المباركة  ميلادان  عظيمان: الميلاد الأول هو ميلاد النبي المبارك عيسى عليه السلام والميلاد الثاني هو ميلاد أخيه خاتم الأنبياء والرسل محمد عليه الصلاة والسلام..ولعل في هذا التزامن إشارة الى ما بين هذين الرسولين العظيمين من صلة وآصرة ،كيف لا وهما اقرب الأنبياء إلى بعضهما زمانا -اذ لا نبي بينهما- ورسالة- فرسالتهما رسالة الرحمة والتسامح-.


ولعل قول النبي محمد صلى الله عليه وسلم” أنا أولى الناس بعيسى بن مريم في الدنيا والآخرة”  يشير بجلاء الى هذه الصلة العميقة والترابط الظاهر.. فمن دافع عن المسيح أكثر من محمد صلى الله عليه وسلم ومن ذب عنه أكثر من القرآن الذي افرد لعيسى وأمه عليهما أفضل السلام سورتين (سورة مريم وسورة ال عمران)،وهل هناك فخر اكبر او أعظم لآل عمران ومريم والمسيح وقد خلد القرآن ذكرهم بالمدح والثناء في كتاب يتعبد به المسلمون ويتلونه أجيالا ًتلو الاجيال في كل بقاع الأرض.انها الرابطة المتينة التي جعلت المسيح يبشر بمحمد مكملا ومتمما لما سبق به هو وسائر الأنبياء والرسل : (وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقًا لما بين يدي من التوراة ومبشرًا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد، فلما جاءهم بالبينات قالوا هذا سحرٌ مبين) (آية 5 سورة الصف)

 حقا إنها الرابطة الوثيقة التي ربطت الأنبياء جميعا ً وجعلتهم كما السيّد المسيح عليه السلام :(ما أتيت لأنقض النّاموس، ولكن جئت لأتمّمه )،وكما قال محمد ” الأنبياء إخوة من علات أمهاتهم شتى ودينهم واحد ” ..

   أما الرابطة الأكبر فهي بين محمد وعيسى لقرب الزمان بينهما كما اسلفت،وبحكم الشبه فيما واجهه كل منهما في مشوار تبليغ رسالته لقومه وللناس،فقد أوذي محمد والمسيح في عرضهما .. فالمنافقون طعنوا في عرض عائشة حتى برأها الله من فوق سبع سموات بقرآن يتلى على مر العصور .. والمسيح أوذي في أمه من بعض اليهود فبرأها الله في قرآنه أيضا ً.

وكلاهما أراد أكابر قومه الفتك به والتخلص منه فاليهود والرومان أرادوا القبض على المسيح وقتله فنجاه الله .. وأراد مشركو قريش اغتيال الرسول .. ولكن الله منعه منهم ” وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ” .

لقد عاش كل منهما رحمة للناس وحنانا ًعليهم ورفقا ً بهم .. وخاصة المساكين والفقراء واليتامى والأرامل .. فهذا محمد يهتف بالناس ” أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين “مشيرا ً بأصبعيه ..

وهذا عيسى يهتف في القلوب الصماء المتحجرة من بني إسرائيل الذين عبدوا المادة ” طوبى للمساكين فإن لهم ملكوت السموات والأرض وطوبى للجياع والعطاشى إلي البر فإنهم يشبعون ” .

وكلاهما كان رحيما ً حتى بالعصاة والمذنبين يفرق بين العاصي والمعصية . فمحمد يثبت الحب لله وللرسول لمن شرب الخمر مرارا ً فلعنه بعض الصحابة بعدما جلدوه فيزجر هؤلاء بقوله ” لا تلعنوه فإنه يحب الله ورسوله “.. وهذا عيسى يقول للذين يشتمون ويلعنون الزانية ويفرحون بخطيئتها ” من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر” .

وكلاهما كان يدعو للرحمة .. فهذا عيسى يهتف في البرية ” طوبى للرحماء فإنهم يرحمون”.. ويردد صداه محمد بقوله ” الراحمون يرحمهم الرحمن”.

وكلاهما يحب صنع السلام فعيسى يهتف ” طوبى لصانعي السلام ” ويردد محمد صدى صوته ” أفشوا السلام بينكم ” .

 وختاما إني لأرجو أن يكون تزامن ميلاد محمد والمسيح عليهما السلام بارقة أمل وبشرى خير لأتباعهما خاصة وللناس عامة  لإنهاء النزاعات والصراعات بين الشعوب والأمم ولإفشاء  التسامح والسلام، والى الحد من المناكفات والتجاذبات داخل المجتمعات والعودة الى السلم المجتمعي.فمتى يدرك أتباع الأنبياء ذلك!وسلام على أنبياء الله ورسله أجمعين.

Exit mobile version