كلمة حرة

“تيتي تيتي مثل ما روحتي يا حجة جيتي” بقلم: فالح حبيب

تعالت الأصوات وفُتحت الحناجر على مصراعيها وتهافتت الأنظار سريعا إلى هناك، نحو الكتلة البشرية، إلى حلقة من المتواجدين الناظرين الى كليهما محاولين الفض بينهما، لكن دون جدوى، فالحاجة متمسكة بتقاليدها وعاداتها.

faleh أما الشاب الذي أينعت فيه سيمات الرجولة، الشهامة، الانتماء وحب البلد فهو الاخر لا يزال متمسكا في أيديولوجيته، أفكاره وما أفاض الله عليه من علم… وشتان بين “هذا ما وجدنا عليه آباءنا” وبين شاب مثقف أدرك المقصد من “إقرأ”! ولا تزال الحاجة تزمجر وتصرخ قائلة: “لك فهمني وانتي مال ابوك، هي وقفت على هاي، ما البلد كلها خربانه!”، الشاب متمسمر في مكانه مردد: “ما هو هذا إلي خرب البلد يا حجة، يعني حتى الي بقي لنا إنكمل عليه”، “ولك روح يا عمي شوف لك ناس غيرنا هدّي بالنا الله لا يهدّي لك بال”، “يا حجة أنا شو قلت؟! كل الي اعملته اني طلبت من ابنك ان يعطي الشارع حقه ويقوم بتحريك سيارته عن الجزيرة حتى ما يقتل العشب الأخضر وخلينا نعرف نمرك وما يقوم بتوليع المفرقعات في مثل هاي الساعة ايضا”!! فرتفع صوتها أكثر فأكثر مصرة على موقفها صارخة: “ولك من يوم يومنا وإحنا نستقبل الحجاج بالطخ والقنابل ونغني لهم ونوقف السيارات وين ما بدنا، هسا لعندي وبدك تحرم اولادي من انهم ايقوموا بواجبي”؟! فلم يكن امامه إلا أن يعلن الاستسلام ورفع الراية البيضاء امام جهلها ووقاحتها معا!!! مجيبا والاحمرار يكسو وجهه الملائكي: “سامحك الله يا حجة” ومضى في طريقه صوب المسجد، فدقائق معدودات وينادي المنادي “حي على الصلاة، حي على الفلاح” داعيا الى صلاة الفجر!

إختصر احتراما لسن هذه الحاجة وأعتذر، لكنه أشعل بداخلي ناقوس خطر، فدائما نختصر في هذا البلد رغم أننا على حق حتى ظن وتوهم أهل الباطل أنهم على حق!!

“امة الجوهر تحولت الى مظهر”

انتهى المشهد الأول من مسرحية “المشابهة والرياء” وبدأ المشهد الثاني منها صباحا حين صاح جارنا اللصيق سائلا: “يا جار، روحوا اهلك من الحجة” فأجبته: “نعم يا جار، الحمد لله، عادوا”، الجار: “يا خسارة، ولو، ليش مسميعناش اشي؟ لا حس ولا نس، ولو، شويت تفقيع، شو بتعزوش ابوكم وامكم “!!…يا الله! لقد تحولت امة الجوهر الى مظهر! فهل من آداب حسن الجيرة والأخوة في البلد الواحد أن يستيقظ المرضى والشيوخ والعجز والأطفال على أصوات مفرقعاتكم الناعقة، منها مفزوعين؟! هل يا جاري إنقطعت واقتصرت اساليب التعبير عن تقديري واحترامي لوالديّ فقط على المفرقعات!؟ هل من آداب الطريق يا حاجة ان تُغلق الشوارع وأن تغتصب المركبات الارصفة وتحطم ما تبقى لنا من زهور وعشب أخضر على المساحات الفاصلة (الجزيرة)؟! هل من آداب الاخوة ومن اخلاق المصلين الدخول الى المساجد تاركين مركباتهم تعيق حركة السير مسببة الى ازمة سير واختناقات مرورية؟! وهل وهل وهل وهل وهل …؟؟؟!! كلنا نعيش في البلد ونعلم ما يحدث فيه! لهذا لا داعي للإسهاب والاسترسال في موضوع نعيشه على جلودنا يوميا…

يا حاج ويا حاجة “تيتي تيتي مثل ما روحتي جيتي” فالعبادات هدفها صقل الشخصية وتهذيب النفوس، اما شريعتنا السمحاء فهي دستور حياة يهدف الى ان نعيش ونظل في النور… “هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ” فعجبا! لمن يقبل على نفسه أن يعود إلى الظلمات دون وعيّ، تأمل او تفكير من خلال عادات وتقاليد لم ينزل الله بها من سلطان… وطوبى “للقابض على الجمر”، لمن يتحمل مشقة فريضة الحج ويصونها…

‫3 تعليقات

  1. لا فض فوك، استرسلت في كتابتك لتطرح موضوعًا مهمًّا، علنا نستفيد ونعتبر.
    واصل بنثر مقالات مشابهة من نقط حبر يراعك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *