3كلمة حرة

بيت لحم في عيون وقحة – بقلم ايمن حاج يحيى من الطيبة

من المعروف ان الهم المركزي لأي نظام احتلال في العالم بعدما ينتهي من ترسيخ احتلاله هو الاتجاه فورًا الى تجميل صورته البشعة وتقنيع الاحتلال بشتى الاقنعة المتوفرة والممكنة. فنحن في عصر القوة العسكرية وحدها لا تكفي فيه لضمان استمرار السيطرة،

ايمن حاج يحيى
ايمن حاج يحيى

ولا يوجد أفضل من أن يشارك بهذه الجهود افراد أو مجموعات من ابناء الشعب المحتل والمقموع في محاولة لإضفاء هالة من المصداقية والواقعية على أي جهد مماثل، كما ولا يوجد افضل من أن تتستر هذه الجهود بساتر عمل فني خالص لا علاقة له بدوافع سياسية.

ومؤخرًا ظهر على شاشات العرض الاسرائيلية والعالمية الفيلم الاسرائيلي الاخير المعروف باسم “بيت لحم” والذي شارك بتأليفه الى جانب المؤلف اليهودي صحافي عربي، وشارك بالتمثيل به عدد من الممثلين العرب.

هذا الفيلم الذي يحكي ويحاكي احداثًا وصفت بأنها واقعية وحقيقية حدثت في السنة الرابعة والخامسة للانتفاضة الثانية في محيط مدينة بيت لحم الفلسطينية. وباختصار، يسرد الفيلم قصة ضابط مخابرات إسرائيلي حنون إنساني متحضر وعلاقته مع عميله الفلسطيني الصغير والأليف ” سنفور”، والذي نجح بترويضه من وسط الغابة الفلسطينية ونقله من معسكر الشر الى معسكر الخير وقدم له افضل معاملة انسانية ممكن ان يقدمها انسان الى اخر ولكن بالنهاية الطبيعة الجينية الشريرة للفلسطيني تتغلب عليه ويستسلم سنفور لغرائزه الوحشية ويقتل سيده ضابط المخابرات الاسرائيلي بطريقة وحشية وغادرة، وتتنقل احداث الفيلم بين سرد سوداوية الواقع الفلسطيني ونظام الغابه الذي يحكمه وجهود رجال المخابرات الاسرائيلية على ان تبقى الوحوش الادمية داخل حدود هذه الغابة ولا تتعدى الحدود باتجاه الحضارة وتؤذي الاسرائيليين المسالمين المدنيين.

وان كان أن يقوم الاحتلال بمحاولات لتجميل صورته البشعة امر عادي قد لا يستحق التوقف عنده كثيرا فأن مشاركة بعض العرب بعمل كهذا امر يستحق البحث فيه. فهذه القله التي شاركت بالفيلم تأليفًا وتمثيلا نشك انها اختيرت لدوافع فنيه خالصة فقط، فمؤلف الفيلم العربي المشارك ليس كاتبًا ولا روائيًا ولا مؤلف معروف وبعيد كل البعد عن هذا المجال، بل عمل لسنوات طويلة مراسل لموقع انترنيت اسرائيلي للشؤون العربية، وكما ذكر هو فقد تم التوجه اليه من هذا الموقع وطلب منه المشاركة بتأليف الفيلم الى جانب الشريك اليهودي، وكيف لا وهو يعلم أين توضع الارجيلية في المقهى العربي اكثر من الاسرائيلي وبالنهاية سيضاف اسمه كمؤلف للفيلم الى جانب المؤلف اليهودي وهو اول من سيخرج ليدافع عن واقعية الفيلم وإحداثه، وكيف لنا أن نحاجج العالم بأن الفيلم يتجنى على الشعب الفلسطيني ومؤلفه منا !

المؤلف العربي ذكر في مقابلة لذات الموقع الذي كان يعمل به مراسلا في حين سئل عن الفيلم وإحداثه أن احداث الفيلم واقعية وحقيقة ومن واقع الاحداث، وان الفيلم تطرق للإحداث بتجرد وموضوعية وهو ليس مع طرف ضد طرف اخر دون أن يفسر كيف ان الفيلم لا يتعرض الى جرائم الاحتلال بحق شعبنا، ولا الى ممارسات الاذلال والقهر بحق هذا الشعب، الم يرى من خلال عمله كمراسل للشؤون العربية نسائنا تلد على الحواجز وتموت الرّضع من شدة الحر؟! الم يرى الحصار والتجويع ومنع التجول ؟! الم يرى اقتحام البيوت وترويع الاطفال ؟! الم يرى الابرياء يموتون تحت القصف؟! الم يرى قوافل الاسرى والجرحى؟! الم يري ويرى ويرى ؟!

ثمة لم تذكر لنا واقعية المؤلف كيف اصبح “سنفور” الطفل الفلسطيني ابن السابعة عشر عميلا للمخابرات الاسرائيلية هل تجند بإرادته !! وكمراسل للشؤون العربية في الموقع الاسرائيلي الم يصطدم بحالة واحدة تحكي له كيف يتم تجنيد العملاء وتوريطهم من قبل إلاحتلال، الم ترى واقعيته هذا كله؟!

ليس حبا في الاطالة ولكن دحض لواقعية الفبركة والتلفيق التي سردها الفيلم لا بد من سرد الحالات المعروفة والتي قتل في نهايتها ضباط مخابرات اسرائيليين على ايدي فلسطينيين لنرى ان أي حالة منهن لا تتطابق وواقعية المؤلف او الفيلم والحوادث هن كالتالي:

1.في 26.61980 قتل الشهيد باسم محمد حبش ابن مخيم بلاطة ضابط المخابرات الاسرائيلي موشية جولان والذي كان يعرف باسم الكابتن موسى وقد استشهد باسم حبش بعد عدة ايام في نابلس باشتباك مع قوات الاحتلال.

2.في 3.1.1993 قتل الشهيد حمزة ابو سرور واثنين اخرين ضابط المخابرات الاسرائيلي حايم نحماني في شقة اللقاءات السرية في القدس واستشهد حمزة لاحقا في اشتباك ايضا مع قوات الاحتلال بالقدس.

3.في 1.3.1994 قتل ضابط المخابرات نوعم كوهين الذي كان معروف باسم الكابتن مجدي في كمين برام الله نصبه له الشهيد عبد المنعم ابو حميد وجرح ضابطين اخرين بالعملية

4.في 14.6.2001 قتل العقيد يهودا ادري ضابط جهاز الاستخبارات العسكرية الذي كان معروف باسم الكابتن مودي على ايدي الشهيد حسن ابو شعيرة في شارع الانفاق بين بيت لحم والقدس.

5. في 31.2.2002 فجر الشهيد مراد عبد الفتاح عسل نفسه في سيارة المخابرات التي اقلته قرب مدينة الطيبة للقائه بضابط المخابرات المسئول عنه وقد استشهد مراد بالعملية وجرح عدد من رجال المخابرات الاسرائيلية بالعملية .

هذه هي مجمل الحالات التي حصلت ووقعت فعلا وبحث بسيط للمؤلف او لغيره سيجد ان في أي من هذه القصص لا وجود لـ “سنفور” ولا لأخيه الشرير ولا حتى لضابط المخابرات الاسرائيلي الطيب.

ولو بحث من اراد الحقيقة عن حقيقة العلاقة بين المخابرات الاسرائيلية وأبناء شعبنا اللذين وقعوا في شباكه لاصطدم بآلاف حالات الابتزاز الجنسي والنفسي والمالي وحالات التهديد بالاعتداء على بنات العائلة وفبركة الفضائح والتهديد بالنفي والسجن وهدم البيوت وابتزاز السماح بالعلاج الطبي او التعليم او العمل مقابل العمالة لأطفال دون الثامنة عشر تحديدا . آلاف الحالات وثقتها مختلف مؤسسات حقوق الانسان، وبعضها اسرائيلية، هذا هو الواقع كما هو وليس كما يريد الاحتلال أن نراه.

هذه قصص فعلا من الواقع لم تفبرك ولم تزور ولم تزيف احداثها، فأين سنفوركم منها ؟! والوحوش هنا – اقصد بالواقع- ليس الشعب الرازح تحت حراب الاحتلال، وبيت لحم هنا بواقعها هي الضحية وهي المجني عليها وليس كما اراد ان نراها الاحتلال بعيونه وليس كما اراد الاحتلال ان يراها العالم كله بعيونه هو.

ويا لوقاحة عيون الاحتلال..

• الكاتب هو سكرتير الحركة الوطنية الاسيرة في الداخل الفلسطيني 48 (الرابطة)، وعضو المكتب السياسي لحزب التجمع الوطني الديمقراطي.

‫5 تعليقات

  1. تحليل ممتاز ومقنع
    مع هذا اود ان يكون المقال الثاني اذ كتبته بعنوان: السعوديه في عيون وقحه
    كيف ان الاحتلال الفكري الوهابي تعامل مع الامه واستطاع ان يجيشها ضد الشيعه

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *