هذه طيبتي

الرد السياسي المناسب هو مقاطعة الإنتخابات!

بقلم: نبيل عودة – سيكون للاتفاق بين أحزاب الائتلاف الحكومي الجديد في اسرائيل على رفع نسبة الحسم في انتخابات الكنيست القادمة الى 4% إسقاطات عديدة، أخطرها مزيدا من عزل الجماهير العربية وإقصائها عن التأثير الفعلي على مجريات الحياة السياسية في إسرائيل وزيادة هيمنة الصبغة اليهودية للدولة ومؤسساتها.

1

لا بأس عندها ان تختار الأحزاب الكبيرة ضمن قوائمها ممثلا عربيا لا تربطه بقضايا شعبه إلا اسمه وسجل هويته الاسرائيلية، وإبرازه للعالم الخارجي بصفته “نموذجا” لعرب اسرائيل.

التحييد (وهو قريب من العزل) سيكون أيضا من نصيب الأقليات داخل المجتمع اليهودي،على رأسه تهميش التأثير اليهودي الشرقي (بما في ذلك الأثيوبيين) الذي يعاني عمليا من تمييز في العديد من المجالات الهامة في المجتمع الاسرائيلي خاصة مخصصات الأراضي، حسب ما قالته السيدة نوريت حجاج مديرة جمعية “القوس الديمقراطي الشرقي” هناك تمييز في توزيع حصص الأرض بين اليهود الشرقيين (سفارديم) واليهود الغربيين (أشكناز) مما يجعل اليهود الشرقيين على هامش المجتمع الاسرائيلي.

ان تعميق مفاهيم يهودية الدولة، نتيجة إقصاء العرب (بطريقة “ديموقراطية!”) وتحديد المساحة الديمقراطية وحصرها بين حزبين أساسيين كبيرين وقليل من الملحقات الحزبية اليهودية الصغيرة وغير المؤثرة، هو خطوة اولى لنقل الأسلوب السياسي الأمريكي، لتحويل النظام السياسي في اسرائيل الى نظام رئاسي.

لم يحصل أي حزب عربي في الانتخابات الأخيرة على نسبة تزيد عن 4% ، النسبة التي حصلت عليها الأحزاب هي: الجبهة الديمقراطية للسلام والمساوة – الحزب الشيوعي 3.68% التجمع الوطني الديموقراطي 2.66% القائمة العربية الموحدة – الأسلامية، العربية للتغير والديمقراطي العربي- 3.8%.

بعد نشر خبر الاتفاق بين احزاب الائتلاف على رفع نسبة الحسم، نشرت الكثير من الآراء التي تدعو الأحزاب العربية الى الوحدة، بل وذهب البعض الى رؤية ايجابية في رفع نسبة الحسم لأنها ستفرض الوحدة العربية !

هذا الرأي متسرع وبعيد عن فهم الحقائق وهي ان المجتمع العربي أصبح ذا مبنى مركب ومليء بالتناقضات الفكرية والاجتماعية التي لا يمكن التجسير بينها او عليها، انه مجتمع متعدد الفسيفساء، متعدد الثقافات، وهذا دليل قوة وحيوية وليس دليل ضعف، كل موقف يطرح وحدة قوائمه الانتخابية لا يخدم اطلاقا تعزيز قوته ومناعته السياسية، بل سيلحق الضرر بخطابه السياسي ونضاله الحقوقي والوطني.

لا يمكن ان تلتئم التناقضات الفكرية العميقة للمجتمع العربي، بلوحة سياسية اجتماعية فكرية واحدة. هذا من جهة ومن جهة أخرى واهم من يظن ان توحيد القوائم العربية سيغير من نظرة الجمهور العربي لأحزابه ويشجعه للتصويت للكنيست. التوحيد قد يلحق الضرر ويعمق مقاطعة التصويت لأنه ربط التناقضات بقائمة متنافرة واحدة.

اوساطا عربية معينة تصوت بأكثرية مطلقة لأحزاب اليمين الصهيوني، نصف المواطنين الآخرين يقاطعون الانتخابات من منطلقات عديدة. وحدة القوائم قد تضيف مصوتين من الممتنعين عن التصويت، لكنها ستزيد من الممتنعين عن التصويت في اوساط لم تقاطع الانتخابات سابقا.

سنواجه هنا سيفا ذا حدين. من جهة وبأحسن الحالات، وصول ممثلين للكنيست لا يمثلون مجتمعهم، فرضتهم الوحدة بين مصالح قيادات لا تعبر بالضرورة عن مصالح مجتمعنا المدني بكل اطيافه.  ومن جهة أخرى، وهي الأخطر، اعطاء تبرير لسياسة  عنصرية ومعادية للديمقراطية تعمق عزل الجماهير العربية، بدل مواجهة سياسية وشعبية وقانونية لهذه السياسة. المجتمع اليهودي أيضا بأوساطه الديمقراطية لن يقف متفرجا ومستسلما وسيكون جزءا من جبهة واسعة (يهودية عربية) داخل اسرائيل لصد هذه الهجمة العنصرية الفاشية!!

لا بأس ان اضيف بعدا ثالثا للسيف بأن احزابنا حولت الكنيست الى هدف شخصي لقادتها (وهي ظاهرة تتعمق) وليس الى اداة نضالية، بالتالي نعطي مصداقية لخطوات النظام التي تعمق عزل الجماهير العربية وتعمق سن قوانين عنصرية معادية لحقوق ومطالب الجماهير العربية.

يطرح شعار الوحدة؟ من قال اننا غير متحدين وراء مطالبنا؟ لنضالنا وجوه ونشاطات عديدة ، لكل مجموعة خطابها السياسي والاجتماعي والفكري المختلف والمميز والمناقض لغيره. لا يمكن توحيد التناقضات.بل من الخطأ توحيدها، سلبياتها ستفوق ايجابياتها.

ان رفع نسبة الحسم سيضر ببقايا اليسار اليهودي أيضا مثل “ميرتس”، ويحول اسرائيل الى معسكر يتنافس فيه اليمين مع اليمين. حتى تيار المركز سيضعف او سيختفي.

 يجب وضع رؤية سياسية جديدة وأتجرأ بالقول انقلابية. عام 2006 أصدرت اللجنة القطرية للسلطات المحلية العربية في اسرائيل كراس باسم “الرؤية المستقبلية- للعرب الفلسطينيين في اسرائيل” . الكراس اثار الكثير من الانتقادات والملاحظات التي لم تلفت اهتمام من اعدوا الكراس ومهمتهم انتهت مع إصداره ، لم تناقش النواقص والأخطاء الكبيرة التي وردت في الكراس.

تميزت مواد الكراس بالتسرع وعدم الدقة في فهم العديد من العوامل التاريخية والسياسية والفكرية والاجتماعية والثقافية التي جرت  وتجري في المجتمع العربي. كاتب هذا المقال ( نبيل عودة) كتب سلسلة مقالات حول مواد الكراس عدا اشتراكه بعدد من المحاضرات في الوسطين العربي واليهودي حول الكراس بمشاركة بعض معدي الكراس. لم أسمع أي جواب مقنع ، كأن الكراس مجرد نزوة ، لا انفي ان بعض مواده هامة ، لكن معدي الكراس والهيئة القطرية للسلطات المحلية العربية لم يتعاملوا معه بنفس الجدية التي توقعناها.

كم نحن بحاجة اليوم الى رؤية مستقبلية جديدة وليس الى رؤية توفيقية اندماجية تصيغها الأحزاب بناء على مصالحها الذاتية. من هنا لا ارى ان الوحدة ، بمفهوم توفيقي اندماجي بين القومي والشيوعي ، الاسلامي والشيوعي ، القومي والاسلامي، هي ما ينتظره الناخب العربي.لابد من رؤسة مستقبلية يطرحها باحثون وأكاديميون وليس نشطاء سياسيين تحركهم مصالح فئوية.

ان الاجحاف والتمييز الذي تمارسه المؤسسة الحاكمة ضد الأقلية العربية في اسرائيل ليس مجرد قرارات احزاب سلطة وحكومات  . المطلوب تغيير جوهري يطرح من جديد تعريف جديد للأهداف العليا التي توجه سياسة المؤسسة الحاكمة بغض النظر عن الأحزاب التي تشكل السلطة، وملاءمة التفكير والتخطيط في كل مستويات النشاطات العامة للمؤسسة الحاكمة بكل ما يتعلق بالأهداف المعدلة اذا اقرت  وصيغت بدستور يضمنها. ان غياب دستور للدولة يجب ان يكون القضية الأساسية لنضال سياسي يهودي عربي واسع.

لست واهما بالتغيير. رفع نسبة الحسم هو اندفاع بالإتجاه المعاكس. هو هرب من اعادة تعريف مركبات المواطنة في اسرائيل، الهدف عدم الاعتراف بالأقلية العربية كمواطنين متساوي الحقوق في اطار دستوري قانوني واضح يوقف سن قوانين عنصرية ضد الأقلية العربية ويطرح مسالة هامة تواجة كل المجتمعات التي تعاني من التعددية القومية والاثنية: هل الحل هو بالمزيد من التسلط والعزل بالاعتماد على الأكثرية القومية – الإثنية وقوتها الاقتصادية ، ام باقرار مساواة كاملة مضمونة بدستور ؟

رفع نسبة الحسم يعني مزيدا من التسلط، مزيدا من اقصاء الجماهير العربية، مزيدا من التمييز القومي وزيادة الشعور العربي بالتنكر السلطوي لحقوقه. هذا بالضبط ما حذرت منه “لجنة اور” بعد احداث اكتوبر 2000 ورأت به عامل يدفع لأحداث عنف مستقبلية أكثر خطورة من احداث اكتوبر2000. لكننا لم نتابع نتائج قرارات “لجنة اور” وتنفيذها رغم نواقصها.

اذن الحل لا يكون بوحدة احزاب لا شيء مشترك بينها. مثل هذه الوحدة لن تعطي نتائج ايجابية على صعيد المستوى السياسي او الاجتماعي، بل ستخدم المؤسسة السلطوية.  يجب عدم اعطاء المؤسسة العنصرية هذه الهدية والمشاركة بلعبة الانتخابات التي سيكون ضررها اكبر من فائدتها.

ما العمل اذن؟

هل ينتهي النضال اذا لم يجلس قادة الأحزاب العربية على مقاعد البرلمان؟

انا ارى ان فرصنا أفضل لنضال شعبي وقانوني خارج الكنيست الاسرائيلي بمشاركة قوى يهودية ايضا،  من الضروري  ان ندرس المقاطعة الكاملة للإنتخابات وليس وحدة لا قيمة لها الا ايصال نواب عرب للكنيست ، عبر تركيبة لا تخدم اي مطلب وطني او اجتماعي  للجماهير العربية!!

[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *