كلمة حرة

في كل بيت مكتبة !

كنت صغيراً، وكانت الوردة داري والينابيع بحاري كما يقول درويش، في تلك الوردة كان المطر يخترق السطح فيدلف بصخب. لكن الوردة ظلت وردة، لأن فيها مكتبة.

1

حين جئت إلى هذه البسيطة وكبرت وترعرعت في حضن المخيم، كان شيءٌ ما يدفعني نحو القراءة، حبٌّ جارفٌ لها، متعةٌ في مصاحبتها، فلم يكن بُدٌّ من والدي إلا أن يثري ذلك الجانب الذي حُرم منه في صغره، فهو لم يعرف القراءة أو الكتابة، لذلك بدأ يُحضر لي القصص المنمقة والمزخرفة والتي أخذت أقرأها بشغف، وبدأتُ منذ نعومة أظفاري أبحث في عوالمها، وحالفني قدري بأن يشجعنا أحد جيران حارتنا بأن نقرأ وننهل من ماعون الكتاب حين قام بإنشاء مكتبة متواضعة للقصص والألغاز، على أن يدفع كل مشترك منا نصف شيكل في البداية، ثم يدفع بعد ذلك عن كل قصة يستعيرها أغورة، وهو مبلغٌ زهيد جداً، فكنتُ أدفع كل مصروفي اليومي لأقرأ كل يوم خمس قصص، وهكذا استمرت الحكاية، واستمر طوفان القراءة يجيش في صدري.فلقد كانت المكتبة، هي عالمي الكبير، الذي أغرق في بحره، وهو ما يلزمنا كقرّاء وكتّابأن نتساءل: هل في بيت كل منا مكتبة؟ وهل يفكر ربّ الأسرة للارتقاء بأبنائه؟ وما السبيل للنهوض؟

إن الأسرة هي المحضن الأول للطفل، وهي الموجّه المهم والحيوي للارتقاء والنهوض بالجيل القادم. وإن من واجب الأسرة أولاً أن تدفع بأبنائها للتعلم والتثقف، ولا يمكن للأبناء أن يكونوا كذلك بدون تحفيز الآباء والأمهات، دون النظر إلى الحالة المزرية التي قد يتعلق بها كثيرون، ويمارسون دور الضحية بسبب الحالة القائمة، فشتان بين أن تهزمك دهاليز الحصار والفقر وقلة ذات اليد، وبين أن تغتالها بفرحك يوم أن ترى فلذات كبدك يحملون أرقى وأعظم الشهادات العلمية، وهم يحملون عقولاً واعيةً، واعدةً وكبيرة.

فلم يكن أبي بذلك الرجل الميسور، ولم أكن في أحسن حالاتي المادية يوم أن ذهبت لأستعير الكتب من المكتبات، وحتى يوم دراستي في الجامعة. ولكنها العزيمة التي دفعتنا كي نرتقي بأنفسنا، وننهض فننير عقولنا وعقول من يجاوروننا، وهو واجبٌ على كل فردٍ في المجتمع، أن يرتقي بجيلنا القادم، وإن الدعوة للطفل الفلسطيني مثقفاً، يجب أن يسبقها دعوةٌ أخرى للأب الفلسطيني مثقفاً، وليست الثقافة بشهادة تحملها أو تعمل من خلالها في أي مؤسسة، فهذا تولستوي، والعقاد وأمل دنقل وغيرهم الكثير لم يكونوا يوماً أصحاب شهادات علمية، ولكنهم بحثوا ودأبوا على القراءة فاستنارت عقوهم وصاروا أعلاماً بارزة في شتى أركان المعمورة.

إن دعوتنا هنا، لإنشاء مكتبة في كل بيت. من شأنها أن تدفع بالطفل لمتابعة وقراءة تلك القصص، مما سيدفعه مستقبلاً أن يستمرّ في العيش بين جوانح الكتب. وهي دعوة لجميع الأسر والمؤسسات أن تسعى لإنشاء مكتبة في كل بيت، وتحفيز الآباء على متابعة الصحف والكتب ومشاهدة البرامج التعليمية والثقافية التي ستكون رافداً مهماً للطفل في مستقبله القريب. ولنستفد من تجربة اليابان في الكتاب الموسيقي، والذي ما إن يفتحه الطفل حتى تبدأ الموسيقى بجذب ذلك الطفل إلى الكتاب ليصير جزءاً لا يتجزأ من حياته.

فهلا أقمنا في كل بيت مكتبة !؟

مع تحيات يسري الغول

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *