همسة عتاب: “خطبوها تعززت تركوها تندمت”

كلمتي اليوم عن الانتخابات، لأنها الموضوع الساخن الذي يهم الجميع الآن رغم ان سخونته لا تبلغ سخونة الانتخابات المحلية إلا انه يبقى موضوعا على جانب من الاهمية على الصعيد الوطني والقطري والمصيري ان شئتم.

اعتدنا ان نشكو ونتذمر ونتلوى ألما ونردح ليل نهار وعلى مدار سنوات من التعسف والظلم واستباحة حقوقنا، سنوات نتعرض خلالها للمذلة والهوان في كل مطلب عادل لنا، سنوات تفعل السلطات بنا ما لم يفعله نظام الأبارتهايد بالمواطنين السود في جمهورية جنوب افريقيا، نكظم غيظنا ونشد على اسناننا ونبتسم ونتوعدهم بمشيئة الله وانتصاره لنا، ونصبر توخيا لغضبه عليهم.

تتقلب الايام والسنوات على الرزنامة وفجأة تحين فرصتنا ويدق على بابنا الظالم يطلب رضانا يأتينا بابتسامة صفراء حفظناها جيدا يسألنا عن أصواتنا وفي جيبه بضعة وعود لم تعد تنطلي حتى على قطط حارتنا. عندها وفقط عندها يشعر البعض بعودة الدم الى عروقه وتنتفخ في الحال رئتاه وتدفع صدره ويستقيم عنقه وينعقد حاجباه ويتخذ وضعية السيد ليوم واحد فقط، ويعلنها مقشرة بلا دبلوماسية: “انا اقاطع الانتخابات” ! له يا ابو فلان!!!!

بدلا من ان يقف ويزمجر يضرب الارض بقدميه منتصبا معتزا بعودة صولجان القرار اليه، وبدلا من ان يصرخ بوجههم بأن “ويحكم ايها الظالمون …لقد حل عليكم غضبنا وغضب الله على ما اقترفتم بحقنا”، وبدلا من ان يقبض على هذه الفرصة بعد تحينها سنوات طويلة، بدلا عن كل هذا يستدير ابو فلان الى الجانب الاخر ويواصل شخيره وهو يتمتم عودوا مع ربيع آخر وفي موعده.

يوم يسألونه عن رأيه يجيبهم بأن لا رأي له. يا له من موقف … يندب حظه سنوات طوال ويحاول اسماع صوته لمن في اذنيه صمم، وعندما يميل الظالم ليستمع ولو من باب رفع العتب الى ما يقوله ابو فلان يصمت ابو فلان كالخروف صبيحة عيد الأضحى. وما اسهل السبب: “كنيست صهيوني … كنيست امبريالي… كنيست كولونيالي … كنيست عنصري… قاطعوهم لتفضحوهم”! يا له من موقف.

ان المذاق الديمقراطي الوحيد الذي يناله المواطن العربي في هذه البلاد هو صندوق الاقتراع، اي المشاركة في انتخابات الكنيست وليس الانتخابات المحلية، فهذه الخطوة على حقارتها عبارة عن الجرعة الوحيدة من الديمقراطية التي لا يمكنهم ان يحرموننا اياها (على الاقل حاليا)، ولكن بعضنا يسابق ظلم الآخر لنا، فيرفس هذا الحق بدوافع مازوخية او من باب استكثارها على نفسه.

مقاطعة الانتخابات تعني ان لا رأي لنا، واننا غير قادرين على اختيار دربنا، واننا اتكاليون ننتظر من هم اذكى وأوعى منا ان يديروا دفة الامور بدلا عنا واننا استهلاكيون لا نسهم حتى بإختيار صناع القرار الذين ينوبون عنا ونحبذ الجلوس على حافة الحياة السياسية.

قد يقول قائل سئمنا البضاعة المطروحة. نعم هناك من يدعي هذا ولا غبار على هذا القول. من الطبيعي ان يكون بيننا من هو غير معجب بالطيبي ولا ببركة ولا بزحالقة ، لأن هناك من يرى بغيرهم احق منهم بثقة الناخبين. وكما يقال  في مثل هذه الحالة: “هاي الساحة وهاي الميدان”. هيا نستبدلهم ولكن بطريقة ديمقراطية!

في هذا اليوم لا يمكننا التلاعب بمصيرنا ومصير ابنائنا والتخلي عن مسؤولية اتخاذ القرار والوقوف جانبا كمن لا يعنيهم الامر. مقاطعة الانتخابات ليست موقفا سياسيا، ومن يعتقد هذا فهو خاطئ تمكنوا من دس هذا الفكر الى دماغه بالتحايل، المقاطعة عبارة عن اعلان اللاموقف. يسألوننا عن رأينا مرة كل بضع سنوات فهل نرفض حتى في هذا اليوم ان نصرح به بكل جرأة. وهل يحلو لنا حال التي “خطبوها تعززت تركوها تندمت”.

همسة في اذن المرشحين

حين يقول النواب العرب في خطاباتهم الانتخابية إن مقاطعة الانتخابات تصب في نهاية المطاف في صالح الاحزاب الصهيونية، فهذا قول صواب حقا، ولكن وللأسف يفتقد هذا القول وقعه لكثرة ترديده حتى بات يعتبر كلاما مبهما في نظر المستمع دون ان يكلف احد المرشحين نفسه عناء توضيح وتبسيط هذه الفكرة للناخب العادي كي يفهمها ويدرك خطورة المقاطعة . فأنا على قناعة تامة بأن المواطن العربي لم ولا ولن يفضل ان يذهب صوته في نهاية المطاف الى حزب يميني عنصري بدلا من ان يمنحه لإحدى القوائم العربية الثلاث!

ملحوظة: هدفنا هو نسبة تصويت اعلى من نسبة التصويت في الوسط اليهودي ولو بقليل كي نحصل على من يمثلنا حسب وزننا العددي من السكان، وكلما قلت نسبة التصويت في الوسط العربي عما هي عليه في المعدل العام كلما حصلنا على مقاعد اقل بكثير مما نستحق عدديا. وفي حال سجلنا سابقة (هيهات) وشاركنا بنسبة اعلى بكثير من النسبة العامة للتصويت في البلاد فهذا يعني اننا سنحصل على عدد اكبر حتى من نسبتنا العددية من سكان البلاد اصحاب حق الاقتراع.

مع تحيات اختكم: ام سامي

Exit mobile version