كلمة حرة

عالماشي: صحافة التجار وتجار الصحافة

حين يكون امامك ميكرفون تكشف عبره عما يدور في ذهنك او صحيفة تكتب فيها ما تشاء من الاخبار والمقالات او أي منبر تخاطب من علوه البشر، فإن تلك قوة هائلة لا قوة تضاهيها. ولهذا اطلق على الصحافة “السلطة الرابعة”، لأنها بالفعل سلطة رغم انها غير منتخبة.

ما يدفعني الى فتح باب الحديث عن الصحافة وعلاقتها بالتجارة هو ما تعرضت له زوجة الاعلامي المصري المعروف محمود سعد وابنته يوم الخميس الفائت حين كانت زوجته الصحفية نجلاء بدير وابنتهما مي، يشاركن في مسيرة احتجاج امام قصر الرئاسة في “الاتحادية” بالقاهرة وتعرضت الاثنتان للاعتداء بالضرب المبرح من قبل ناشطين موالين للرئيس مرسي، لدرجة ان ابنته مي نقلت الى المستشفى لتلقي العلاج بينما ظهرت آثار كدمات على وجه زوجته.

في مساء ذات اليوم الخميس، جلس الصحفي الشهير محمود سعد الذي عرفه الناس من برامج عديدة اشهرها “البيت بيتك”، في مكانه المعتاد خلف الميكرفون وأمام الكاميرات وراح يدير برنامجه الحواري “آخر النهار” على قناة “النهار” المصرية بصورة معتادة دون ان يذكر ولو كلمة واحدة عما تعرضت له ابنته وزوجته قبل ذلك بسويعات قليلة.

لم نكن نحن المشاهدون، لنعرف ما الذي تعرضت له زوجة الصحفي وابنته لولا أحد ضيوف البرنامج الذي تطرق الى ذلك مبديا اسفه لهذه الحادثة، فرد عليه محمود سعد: “هم اكلوا علقة جامدة زي غيرهم وبس”. وبهذا انتهى الحديث عن الموضوع،رغم ان معظم وسائل الاعلام الاخرى نشرت هذا الخبر.

وقفت مشدوها امام هذا المشهد، كيف لصحفي بشهرة محمود سعد ان يصمت على اعتداء تعرضت له زوجته وهي صحافية مشهورة ايضاً وابنته الوحيدة (31 عاما) للضرب من قبل متظاهرين غاضبين على خلفية موقف سياسي وليس على خلفية شجار مع جيرانهم ؟ انه درس مهم جدا في الصحافة المجردة من التجارة.

ما الذي كان يمنع الصحافي محمود سعد ان يشرع بالشتم والإهانة والتحريض على كل من سولت له نفسه ان يضرب ابنته وزوجته، والصحافي حسبما ذكر لاحقا مسئول عن كل كلمة يقولها خلال برنامجه وفق اتفاقه مع قناة “النهار” وليس لأي من المسئولين في القناة التدخل في فحوى برنامجه.

اذن كانت لديه الفرصة على الاقل لعرض الموضوع كما يراه هو وتحويل البرنامج الذي يمتد ساعتين ، الى منبر للتجارة الصحافية. فيكلف عاملة ضمن طاقمه بأن تضع امامها دليل هواتف المعارف والأصدقاء والشخصيات الهامة والاتصال بهم واحدا تلو الآخر لتطرح عليهم سؤالا وحيدا: “هل سمعت بما تعرضت له زوجة محمود سعد وابنته، ما قولك في هذا ؟” فيرد الطرف الآخر: “انني استنكر وبشدة”. فيقطع محمود سعد البث ليعلن بصورة استثنائية : “فلان الفلاني الشخصية السياسية المعروفة صاحب المواقف الوطنية المشهود لها يستنكر الاعتداء على …”.

هكذا هي اللعبة… الى ان يتم الاتصال بنحو مائة من الشخصيات التي استضافها الصحافي ذات مرة في برنامجه الحالي او برامجه السابقة او اولئك الطامعون بالظهور ولو لمرة واحدة على شاشة التلفزيون، علما بأن كل سياسي يبحث دائما وأبداً عن طريقه يذكر اسمه في وسائل الاعلام حتى وأن كان هذا من خلال حادثة تستدعي الاستنكار من باب “ضريبة شفاه”.

وما الذي يمنع الاعلامي محمود سعد من ان يكون شرها وان لا يكتفي بهذا الكم من الاستنكارات، بل يكلف ذات الموظفة بالاتصال بأصحاب المحال التجارية والحلاقين والباعة المتجولين وحتى التاجر الذي ينادي صباح كل سبت “اللي عنده نحاس خربان للبيع”، لتطرح على كل منهم السؤال ذاته و”تسحب” منه استنكارا مقابل ذكر اسمه واسم محله في وسيلة الاعلام، فتتعاظم موجة الاستنكار وتصبح ككرة الثلج المتدحرجة ويبلغ مقاسها ابعد الحدود. هنا يمتعض ابو العبد وتكبر الغيرة في صدره وهو يرقب هذه “الحفلة” من بعيد، فيقرر انه لن يصمت واسماء الاخرين ومحلاتهم التجارية تتردد في الصحافة، فيسارع الى الاتصال بنفسه ظنا منه ان الباقين اتصلوا بأنفسهم، ويقول للموظفة: “معك ابو العبد صاحب بسطة بندورة، الثلاثة كيلو بعشرة، يستنكر الاعتداء، البسطة موجودة خلف المسجد مباشرة وساعات الدوام…”. وبهذا يتحول الاستنكار الى ساحة اعلانات مجانية يسعى كل صاحب مصلحة الى دس نفسه وسطها كي يذكر اسم مصلحته وإن كان هذا ضمن استنكار موهوم.

وفجأة يتحول برنامج “آخر النهار” الى لوحة اعلانات تشبع رغبات المستنكرين وتشبع غرور الصحافي وهو يقول للمشاهدين ارأيتم كم انا شخصية مهمة، والمساس بي او بمن يخصني او ما يخصني يلقى هذه الموجة الجارفة من الشجب والاستنكار. في هذه اللحظة تتابع النيابة هذه الحملة من الاستنكارات فتغيب عن ذهنها لعبة الصحفي وتسارع الى بذل جهد خاص للكشف عن منفذي الاعتداء علها تحظى بقطعة حلوى من هذه “الحفلة” فيمتدحها الصحافي من منبره بعد ذلك على نتائج تحقيقاتها.

الصحفي الكبير محمود سعد ابعد ما يكون عن مثل هذه الصحافة، لأنه صحافي حق وليس تاجرا، ولا شأن له بعناق صحافة التجار مع تجار الصحافة، فهما طرفان لكل منهما نصيب يرضيه من خدمة مجانية تبادلها مع الآخر على طريقة المقايضة. اعطيك منبرا فتروج لأسمك ولسلعتك على ان تستنكر ما ألم بي وبمن حولي، ولا تسألني عن الاسباب والمسببات …   “على اونا على دوي على تريه”…

مع تحيات اخوكم : ابو الزوز

تعليق واحد

  1. ههههههههههه والله انك صادق ابو الزوز وحقيك 100% وتحياتي للصحفي الكبير محمود سعد ،
    هذا المقال يذكرني بالصحفي المادي **** ***شو استنكر حول *** تاعو الى صفحة استنكار ، عنجد انو انسان *** عشان يفرجي العالم كلو انو شخص مهم بس اثبت انو *** وغير الجاكو اللي كل يوم بضيع وبلاقو ، اخخخخخ على زمن الماشي ماشي والسايق سايق ، و***اليوم سايق وبيجي يوم .
    ارجوا من الادارة النشر على عاتقي الشخصي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *