هذه طيبتي: جواد مصاروة عزيمته اقوى من جسمه

كانت حياته تسير كحياة أي شخص عادي في الطيبة يمارس أنشطته اليومية بشكل طبيعي، وفجأة  جاء القدر بمحنة بخرت احلامه العريضة وأمانيه العميقة وفجأة اصبح ملازما لكرسيه بعد ان رفض جزء من جسده الامتثال لرغباته.

بدأت حكاية ابن الطيبة جواد مصاروة “عزيزة” يوم الثاني عشر من مايو من عام 1999حين اخترقت رصاصة طائشة جسده فاخترقت حياته وحياة كل من حوله. غير ان امله بقي قويا وسليما وراح ينمو ويكبر حتى أستطاع جواد بعزيمته الفولاذية ان يتخطى جدار المستحيل ليعود وسط الجميع عبر بوابة تحمل لافتة كتب عليها: لا يأس مع الحياة ولا حياة مع اليأس.

جواد مصاروة: يمكنك الانطلاق من أي نقطة تختارها

بدأ جواد بدراسة برمجة الحواسيب “برمجة برامج والعاب”. وعمل في هذا المضمار وقتا قصيرا ثم انخرط للدراسة في مؤسسة “ماطي”- مشروع المبادرة الذاتية سعيا لتأسيس مصلحة عمل والانخراط في سوق العمل مع الاستقلالية التامة من خلال فتح وإدارة مصلحة عمل والبحث عن اتجاهات جديدة نحو المستقبل مع اكتساب الأدوات الاحترافية، الا ان ما اكتسبه من هذه الدورات من محفزات وتشجيع لم يكن كافيا للخروج مما هو فيه، فانتسب لجمعية “يد تساره” وهي جمعية تقدم خدمات لذوي الاحتياجات الخاصة لتحسين ظروف حياتهم وتخفف من العبء الملقى على المحيطين بهم.

وفي هذه الجمعية قسم خاص برفاهية ذوي الاحتياجات الخاصة وفي هذا القسم الذات بدأ جواد العمل منذ ثماني سنوات كمسؤول عن  مواءمة اجهزة الكمبيوتر لذوي الاحتياجات الخاصة في المؤسسة  في نتانيا.

اشكر اهلي واصدقائي 

ويؤكد جواد أنه لولا دعم و مساندة الأهل له وحرصهم على توفير كافة احتياجاته لكان حاله مختلفا عما هو عليه الآن. ويستذكر مواقف أهله وذويه ووقوفهم الى جانبه في مختلف المناسبات والحالات للتخفيف عنه وخلق الأجواء المناسبة له وكذلك دعمهم المتواصل له ودفعه قدما لخوض معترك الحياة بثقة عالية.

نذرت ان اقود عربتي في شوارع الطيبة

ويتذكر جواد كيف نظر اليه المجتمع نظرة استعلاء وسخرية حين خرج بعربته الخاصة اول مرة، لذا نوى في قرارة ذاته ان يحارب هذه النظرة نحوه ونحو من هم مثله من خلال رفع المطالب بحقوق ذوي الاحتياجات الخاصة. فكان اول من يطالب وبعناد تخصيص ممر لذوي الاحتياجات الخاصة لدخول صندوق المرضى “كلاليت” كونه عضوا فيه.

وفعلا لم يمر وقت طويل على طرحه لهذا المطلب حتى وجد ان الممر اصبح حقيقة قائمة يخدم كل ذوي الاحتياجات الخاصة الذين يأتون الى صندوق المرضى. فكان اول من تقدم للمسؤولين في احد الجوامع بتصميم ممر لذوي الاحتياجات الخاصة ليتمكنوا من دخول المسجد بعرباتهم إذ كان يصعب عليه دخول المسجد لأداء الصلاة. ثم كافح من اجل تصميم ممر كهذا عند مدخل البنك وما زالت “معاركه” من هذا القبيل مستمرة في الطيبة ضد مؤسسات يقول انه ان الاون ان تنظر لذوي الاحتياجات الخاصة بعين الاهتمام والرعاية وان تخصص لهم ممرات ومواقف  للسيارات.

التنقل بواسطة عربة ليس نهاية الحياة

وعن كونه ملازما لعربته في التنقل يقول جواد مصاروة ان هذا الحال ليس نهاية الحياة، ولهذا بادر من خلال عمله في “يد تساره” لجمع ذوي الاحتياجات الخاصة وبدأ ينظم لهم رحلات الاستجمام بين الحين والآخر، وامتدت هذه الرحلات الى خارج البلاد الى اماكن بعيدة مثل المغرب وتايلاند الى جانب اماكن عديدة في البلاد فيها النزهات والرحلات التثقيفية والرياضية التي تبعث الامل في نفوس هذه الفئة من الناس. ويؤكد جواد انه العربي الوحيد الذي يعمل ضمن هذه المجموعة  .

احلق في السماء واغوص في البحر

عشرات الصور المعلقة على جدران غرفته تشدك لتتابعها صورة تلو الاخرى والاستفسار عن كل منها، فبعدد هذه الصور تتعدد الحكايات واللحظات الجميلة. هذه صور مع نمر وتلك وسط الصحراء وهنا مع افعى. ولكن هناك ايضا عشرات اللقطات الجميلة لجواد وهو في قاع البحر يستكشف اسراره ويحمد الله على نعمه.

عن هذه اللقطات وعن كل هذه الصور يقول جواد انه يحب الرحلات ويحب عالم الطبيعة. ويضيف: “قبل حوالي اربع سنوات قررت ان اتعلم الغطس رغم ادراكي انني لا استطيع تحريك جسدي وليس بوسعي ان اكون كالسمكة، الا انني ارى في الغطس هواية ارغب في ممارستها وان اتقنها فعالم البحار واسع يمنحني الراحة والحرية”.

سأشتري منطادا لأحلق في سماء الطيبة

وعن مشاريعه المستقبلية يقول جواد ان في مخيلته اكثر من مشروع. وعلى صعيد هوايته الشخصية فهو ينوي شراء منطاد ليحلق به فوق بلده الحبيبة رغم ان جزءاً من جسده لا يطيعه. وعما يدور في ذهنه قال جواد: “اطالب ادارة البلدية والجهات المسؤولة  في قسم الرفاه ان يعملوا على تأسيس ملتقى لذوي الاحتياجات الخاصة في الطيبة، فبلد كبلدي فيها الكثير من ذوي الاحتياجات الخاصة يجب ان ينعموا بإطار اجتماعي خاص بهم”.

ورغم كل هذا فهو يؤكد انه مفعم بالأمل وبالحب نحو كل الناس ويحلم ان يتآلف اهالي الطيبة على الخير والمحبة وان تختفي الخلافات العائلية التي تشوه الملامح الانسانية للعلاقة بين الجميع.

Exit mobile version