كلمة حرة

البديل من العبرية (4، 5) بقلم: أ.د فاروق مواسي

على طريق مناهضة استخدام اللغة العبرية بدلا عن استخدام اللغة العربية في حديثنا وكتاباتنا اليومية والمفردات التي نستخدمها، كان لا بد من العثور على المفردة العربية التي قلما يعرفها القارئ او المستمع لندرة استخدامها او لغيابها المطلق عن المفردات العربية.

لهذا نقدم لكم سلسلة من المقالات تحت عنوان “البديل من العبرية”، في عدة حلقات يتناول من خلالها البروفيسور فاروق مواسي القاء الضوء على هذا الجانب من لغتنا العربية:

المدونة الاولى

المدونتان الثانية والثالثة 

4 – מלתחה = مَـحْــقَــبَــة

هذه اللفظة العبرية تعني (مخزن الأمانات) أو موضع إيداع ملابس رواد المسرح، وقد استخدمت ترجمة لها  لمكتبة القاسمي الضخمة (مَحْـــقَـــبَـــة)،  وهي بارزة في اللافتة هناك، إذ يضع الطلاب حقائبهم في مكان يتاخم المدخل هو- (المََحْقْْبة)، وذلك قبيل ارتيادهم المكتبة، واخترت فتح الميم في اللفظة، على اعتبار أنها اسم مكان أسوة بمزرعة ومدرسة ومقبرة.

קוצב =  نَـظّــام

هذه اللفظة  العبرية  (قوتسيب) شائعة بكثرة عددَ من يحملون في صدورهم (منظّم القلب)، وكم نتمنى أن يخفق قلب الواحد منهم دون هذا النظّام، وهي بالإنجليزية basemaker، وقد يستخدمه االكثير من الأطباء العرب الحريصين على لغتهم- (منظم القلب)، لكن اللفظتين معًا تصعب أمر الترجمة في الحياة اليومية، فيفضل الناس العاديون (قوتسيب) على (منظم القلب).

في بحثي في المورد عن ترجمة اللفظة الإنجليزية أقترح منير البعلبكي -وهو جريء أشهد له بإبداعه في إيجاد البديل من الدخيل_  اقترح  لفظة: (مِــيقاع)، على اعتبار أن الجهاز يوقّع وينظم ويضبط  دقات القلب، ولكني هنا لا أرى ملاءمتها صوتيًا ولغويًا ، فما علي إلا أن أختار من مادة (نظم) صيغة مبالغة، فما وجدت أفضل من (نـظّام)، فإن كان هناك اقتراح لفظة واحدة أفضل فأرجو ألا يضن أحد علينا به! وبعد سؤالي هذا تساءلت: ترى، ما رأيكم في خفّــاق؟

قلت لنفسي: خفّاق لعلها تصلح للفصيحة، وأما في الدارجة  فهي لغة عالية، بينما (نظّام) يسيرة في كلتيهما.

أقول سافر المريض إلى المدينة وفي صدره نظّامه. فحص المريض نظّامه  بعد بضعة أشهر، فوجد النظام يعمل بدون أي عائق.

מזגן = مُـكــَــيِّــف

هذه الترجمة مستخدمة في بعض الأماكن، وحري بنا أن نشيعها، فهذه الغرفة مكيَّــفَة – (لا ممزجنة، أو مكندشة – كما يلفظها بعض منا)، وضرورة أن يكون هناك (تكييف) في القاعة، وفي السيارة، فالصيف حار، والمِرْوحة (מאורר) لا تكفي، ويحسن أن يكون تهوئة (أو تهوية) = אורור.

يا رعاك الله قل: اشترينا مكيــّفين لا שני מזגנים، واذكر لنا أيهما أسهل؟

הזמנה = طلبيّــة

معنى اللفظة العبرية إذا استخدمناها في حديثنا عن الناس هو استدعاء، فأنا أستدعي فلانًا للمقابلة. ولكن المشكلة في استعمال ما نطلبه مسبقًا من أمتعة وحاجيات بقصد الامتلاك.

نعرف أن استدعاء أي شيء لشرائه أو لحجزه يستلزم طلبًا، ولما أن كانت لفظة (الطلب)  لها معان أخرى كثيرة، فقد ارتأيت أن نعتمد ما يستخدمه الناس في لغتهم الدارجة (طلبيّة)، وبررت الاشتقاق في الفصحى على أنه  اسم مأخوذ من المصدر الصناعي.

أعرف في بعض القرى من يستخدم (أزمنت) من اللفظ العبري بمعنى تقدمت بطلبية، فضايقني الأمر بسبب قوته، وكأن (أزمنت) قد نجحت في اقتحام  العربية، فقلت لا بد من حل:

 هل نقول طلبت سيارة من الشركة؟ عندها لا يعرف أحد أنها (طلبية)، بل هي مجرد طلب قد يكون لسياقتها مرة واحدة، أو ليست بالضرورة للشراء،  فوجدت للتخصيص أنه لا بد من التصرف في الاشتقاق، فاخترت صيغة (فعّــل)، التي تدل على كثرة، فما المانع أن أقول: طلّبت سيارة من الشركة، وستصل قريبًا، عندما طلّبت بطاقة من المسرح وجدتها غالية. أرجو أن نلاحظ الفرق بين طلـَـب بمعنى (ביקש, דרש)، وبين (طلّب) بمعنى הזמין (כדי לרכוש).

أما المعترضون فأسألهم: ألا تجيز لغتنا الاشتقاق، وهي قادرة جدًا في هذا الباب، بل من خصائصها، ولنا في السلف قدوة حيث اشتقوا وابتكروا.

*****

5 – תהליך = سَــيْـرورة

هذه اللفظة العبرية תהליך هي في الإنجليزية process ، وأذكر أنني شاركت في ابتكار ترجمتها مع بعض الأصدقاء من بينهم الدكتور محمود أبو فنة، ولا أستأثر بها، وذلك في أوائل السبعينيات، وكنا يومها ندرس موضوعًا تربويًا، فسيرورة ليست في المعاجم كالمورد، ولا هي حتى في قاموس سغيب  في ترجمة اللفظة العبرية،

 ففي المورد: سلسلة من العمليات المتعاقبة، سير، تقدم،

وفي قاموس سغيب: عملية، تسلسل،

 الأمر الذي يدل على أن (سيرورة) من ترجماتنا المحلية التي اضطررنا إليها، ونجحنا فيها، وهي شائعة اليوم إلى درجة أننا نسينا كيف بدأت.

غير أن بعض الأصدقاء يومها آثر (صيرورة) بالصاد، وأرى أن السين أولى، ذلك لأن الفعل (سار) يدل على حركة وتطور، بينما الفعل (صار) هو تحول، بل هو في الأصل فعل ناقص.

  הליך = إجراء

هذا اللفظ من لغة القضاء والقانون הליך משפטי, הליך חוקי، وقد رأيت أن (إجراء) أكثر ما يلائم بين ألفاظ أخرى في الترجمة، وقد وردت في المعاجم ضمن تعابير أخرى ((كالمسار والمسلك والطريقة) فلنكتف بالإجراء، ولنحدد، فكل لفظة مما ذكرت من البدائل لها سياق آخر، ومن الضروري جدًا تحديد اللفظة لمعنى محدد أولى، وهذا الأمر يذكرني بترجمة محددة للفظة شائعة جدًا، هي:

בסדר = تمام

فهذه اللفظة العبرية طاغية جدًا، ولا يكاد يسلم من الوقوع فيها إلا القليل الأقل. والسبب في رأيي أن كثرة الترجمات والمرادفات في الفصيحة والعامية (طيب، مليح، حسنًا، كويس، إن شاء الله، جيد، عال، تمامًا….إلخ) حالت دون اختيار مفردة محددة تكون قوية الاستعمال، فتصول وتجول، وأنا هنا أقترح أن نستعمل لفظ (تمام) ونشيعه، وبالفصيحة (تمامًا)، فالأتراك مثلاً يستخدمونها، مع أنها من لغتنا، والتعبير ناجح، ويشهد على ذلك متابعو الأفلام التركية، وزوار تركيا في رحلاتهم الصيفية. تمام تمام!

                                 *             *           *          *

استمعت إلى معلم يخاطب زميله بلغة (عِـرْبِــيّة) أي مزيج بين العربية والعبرية- كما اصطلحتُ عليها:

– فتحت (المحاشيب)، وحضرت الـ(متسيغت) ووجدت (التوخنا) قديمة
– في الصف (مقرين)؟

بالطبع استخدم الأول (ال) التعريف العربية، وجعلها في بداية  كل لفظة عبرية مما يلي:  מחשב, מצגת, תוכנה

بعد أن أبديت إعجابي أولاً للتِقنيات،  أبديت عجبي  لهذه اللغة المختلطة.

سألني: وهل أنت ضد اللغة العبرية؟

 فأجبته: لا يا عزيزي، فنحن يجدر بنا أن نحسن العبرية، ولكني لا أوافق على هذا المزج الحاد بين اللغتين، وكأننا نبتكر لغة ثالثة.

سألني: إذن، ماذا أقول؟

قل يا صديق:

فتحت الحاسوب، وحضرت العارضة، ووجدت البَـرْمَجية قديمة،  وعلى صاحبك أن يقول هل في الصف عاكس؟

–      أنت على حق، مع أن بعض الألفاظ صعبة على اللسان، ولكنا سنعتادها، وأنا عندما أقول للطالب: “شغل حاسوبك” أسهل وأحسن لفظًا من (شغل مِحَشيبك)، وأدرس الحاسوب أفضل من أدرس (مِحاشْبيم)، مع أن اللفظ العبري الصحيح الذي ينبهوننا عليه هو (ماحْشِيبيم). وعندما أقول (عارضتنا) أفضل من (متسيغتنا)، وصدق المتنبي: لكل امرئ من دهره ما تعودا! فلنتعود!

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *