كلمة حرة

وردة الجزائرية: ابكيك وانت على قيد الحياة

“لا تنظري الى وجهي، دمعي يحرجني امامك”، هذا ما قالته لي قريبتي حين كنت احاول اتفحص وجهها وهي تتابع وردة الجزائرية تغني في تسجيل على موقع “يوتيوب” لحفل ليالي فبراير في الكويت.

ابتسمت وسألتها: “وهل بقي فيك من المراهقة ما يبكيك ؟ فقالت: لا لم تعد تبكيني الاغاني، ولكن حال هذه المطربة العظيمة هو ما يجعلني بهذا الحزن”.

وتابعت: “انظري ماذا فعلت الايام بهذه الوردة الجزائرية التي فاح عطرها فغطى كافة الدول العربية بل وبلدان غربية كذلك. هذه المطربة التي كان ظهورها طاغيا على كل النجوم بصوتها البلوري الصلب والنقي الشفاف الذي يخضع لكل الإنحناءات والتموجات ويبقى يسرب لنا الضوء بنقاء ولمعان لا مثيل لهما”.

وواصلت قريبتي حديثها بحرقة بادية على وجهها: “هذه المطربة امسكت مايكرفون لأول مرة في حياتها حين كانت طفلة في السادسة من عمرها وقدمت اول اغنية لها في مطعم والدها في حي شعبي في باريس، ومنذ ذلك الحين ترفض ترك المايكرفون جانبا بعد ان شغلت كل من يتذوق الطرب الشرقي الاصيل على مدار عشرات السنين”.

لم يكن امامي سوى ان اواسيها بعبارة لم يتمخض ذهني عن اغبى منها، فقلت: “لكل شيء بداية ونهاية حسب قول نجيب محفوظ، اليس كذلك؟”

تظاهرت قريبتي بالصمم، وتابعت تقول والتأثر يأكلها من الداخل نحو الخارج: “هذه العملاقة اصبحت الآن مثارا للشفقة… فقد خضعت لزراعة كبد وهي في سن متقدمة، ولكن عشقها لفنها لا يدعها تستسلم لمرضها. ها هي تتخطى الثمانين من العمر وتحاول بآخر ما لديها من قوة ان تقدم ولو جرعات متباعدة من فنها الرائع”.

في فضاء كئيب كهذا لا ينفع معه صمتي، قلت: “لماذا لا تستريح بعد كل هذا العطاء؟”

جاء رد قريبتي السريع ليؤكد ان حديثي نشاز رهيب، لا يرقى للمغزى من هذا المشهد: “ان تستريح هو اسهل ما يمكن القيام به. لقد خارت قواها بسبب المرض ولكن عزيمتها اصبحت اقوى من ذي قبل. تصوري انها مستعدة للمقامرة بكل تاريخها واسمها لتتصدى لظروفها الجديدة وتقاومها ولتثبت لنفسها على الاقل انها لا تزال وردة التي نعرفها كاملة الاوصاف، ولكن هيهات.

حين اتابعها تغني في هذا الفيديو ارى وردة الجزائرية تموت امام عيني وانا عاجزة عن مدها ولو بجرعة من الماء حتى انني لا استطيع النهوض واقفة من بين الجمهور واصفق لها في وجهها بحماسة لامنحها شيئا من القوة حتى تعيش يوما آخر بفضلي ومن اجل الجميع… وإن عجزت عندها عن الغناء فلتدندن… ولو لنفسها لانها وردة وستبقى دائمة النضرة في اعيننا رغم سنينها.

اشفق عليها لأنها حين تنظر الى نفسها في المرآة لا بد انها ترى الانكفاء يطل من خلفها والوهن يحاول ليّ ذراعها وإخماد شعلتها. وردة ليست ملكا لنفسها، وهي تدرك هذا ولا تزال تحيي الحفلات في القاعات الكبرى المليئة بالجمهور….لأنها تكره ان تجلس في الخفاء تدندن لنفسها فقط”.

فعلا هذا مشهد قد لا يفهمه غالبية القراء، ولكني ارتأيت ان انقله لكم هنا لأنه لم يبق من جيل المطربين العظماء سوى قلة قليلة مثل فيروز ووديع الصافي وصباح ووردة ونجاة الصغيرة، وإذا فقدنا هذه الاسماء، سنغلق بغير رجعة الصفحة التي اطلق عليها “جيل عظماء الطرب”.

يبدو ان لكل زمن ابطاله ونجومه ومهما كان ارتباطنا بهذه الرموز قويا فلا بد من ضبط ساعتنا حسب التوقيت الجديد رغم ما يحمله هذا من غصة قاتلة توقفت في الحلق.

مع تحيات اختكم: ام سامي

وردة المريضة اليوم:

وردة المتألقة من قبل:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *