كلمة حرة

همسة عتاب: ارحموا مرضاكم في المستشفيات

لا ادعي ان المشهد جديد علي، ولا ادعي انني فوجئت بما حدث، ولكني تساءلت لماذا نواصل هذا التصرف كما لو اننا فقراء ثقافيا وسلوكيا، لا نأبه لراحة الآخرين وما يحتاجونه، ونبالغ بالفوضى وكأنها من سيماتنا القومية!

مدخل مستشفى مئير - كفار سابا

حديثي هنا عن زيارة المرضى في المستشفيات، فما ان نعلم بأن قريبا او قريبة، جار عزيز او جارة عزيزة دخلت المستشفى او توجهت لتضع مولودا جديدا حتى نترك كل شيء ونتنادى نحن النساء على عجل ونتوجه نحو المستشفى لزيارة الام الغضة ورؤية المولود الجديد والتعرف على ملامحه هل يشبه امه ام يشبه اباه.

نصل المكان فنجد الام المنهكة بحالة يرثى لها بعد ميلاد صعب ومن حولها امها وأختها وحماتها وزوجها، وهم حضور دائم الى جانب القريبات الاخريات اللواتي سبقننا إلى هذه الزيارة ثم نأتي نحن الجارات ويصبح المكان اشبه بالسوق يعج بالناس الذين جاءوا ليسجلوا المواقف كل امام الآخر غير آبهين بحال الام الشابة وهل هي او رضيعها على استعداد لتحمل هذا المشهد.

أكثر ما تحتاجه الام بعد الانجاب مباشرة ليس وجودي او وجود حتى أمها، وإنما الراحة التامة والهدوء التام والاسترخاء التام، والنساء تعرف ما المقصود بهذا، وفي المستشفى ما يكفي من الممرضات اللواتي يقدمن أي خدمة تحتاجها الأم الوالدة حديثا، ورغم ذلك نجد النساء العالمات بهذه الاوضاع، اول من تشد الرحال الى مستشفى الولادة لزيارة والدة جديدة.

ما دفعني الى طرق هذا الموضوع، هو ما شاهدته قبل ايام في مستشفى “مئير” حين كنت في زيارة قريبة لي، حيث لاحظت على السرير المجاور أم شابة من الطيرة وكان حولها من الزوار ما جعل الغرفة أشبه بحافلة ركاب وسط القاهرة.

وبينما انا العربية استطيع ان اتفهم هذا الازدحام في الغرفة وأسبابه ولدي المقدرة والاستعداد لأشد على اسناني وابتسم مجاملة للآخرين من حولي وتماشيا مع طباعنا وعادات مجتمعنا، فإن الأم اليهودية على السرير الآخر ليست مثلي ومنشأها ليس منشئي وتربيتها تختلف عن تربيتي وعاداتها غير عاداتي وثقافتها قائمة على اركان بعيدة عن ثقافتي! فلماذا عليها ان تتحمل مثل هذا المشهد وهي في امس الحاجة بعد الانجاب الى قسط من الراحة وإلى كثير من  الخصوصية ؟ لماذا عليها ان تصاب بالذعر حين تفاجئها زغرودة “ام العبد” تصدح بأعلى صوتها في الغرفة فرحا بالمولود الذكر، أو كيف لها ان تتحمل صياح الجد وهو يؤذن بأعلى صوته في أذن المولود الجديد ليلقنه اول درس في أصول الدين!

أشفقت على قريبتي التي ازورها من هذه الفوضى وتمنيت لو تستطيع مغادرة المستشفى على الفور كي ترتاح في البيت بدلا من عذابها هنا، ولكني أشفقت اضعاف ذلك على الام اليهودية على السرير الآخر التي كانت مرغمة على الألم بصمت تجنبا لشحن الاجواء في الغرفة، والتي كانت تبتلع انطباعاتها عما يجري وتكدسها بداخلها لتحكيها طوال حياتها بعد ذلك حيثما جلست وحيثما دار الحديث عن المستشفيات والإنجاب والعرب.

هذه الصورة التي انقلها اليكم تتكرر عشرات المرات يوميا في كل المستشفيات حيث يرقد أي من الاقارب والجيران او الاصدقاء. زيارة المريض للإطمئنان عليه واجب اجتماعي لا غبار عليه، ولكن من قال ان زيارة المريض في المستشفى كزيارة الصديق في البيت ! ما داعي اصطحاب الاطفال الى المستشفى كي نرى هذا يبكي لأنه يريد الكولا وذاك يصرخ لأن امه لا تعطيه الشوكولاتة من العلبة بجانب سرير المريض ؟ ثم ما ضرورة جلب كل ما يسمح بأكله وكل ما لا يسمح به من اطعمة للمريض كالفلافل والشاورما، بدعوى انه لا يأكل طعام المستشفيات بينما الفلافل أو الشوارما تضاعف من معاناته!

دعونا لا نجعل من زيارة المريض في المستشفى مجرد “اسقاط واجب” نقوم به بغض النظر عن حالة المريض حتى لو كان عصيا عليه فتح عينيه فكيف لنا ان نرغمه على التحدث وإرهاق نفسه بمجاملة كل من يأتي لزيارته.

فلنرحم مرضانا ! لأن في هذا ما هو افضل من العقاقير !

مع تحيات اختكم: ام سامي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *