كلمة حرة

في الطيبة: عدد الفئران أكثر من عدد السكان

عاد الربيع الدافئ هذه الايام ليخرجنا من مكعبات بيوتنا الى ساحات المنازل لنعرض انفسنا على الشمس علها تغضب من سنحتنا الباهتة فتزيد من سمرتها قليلا كي نشبه انفسنا ولنصبح وفق ما ارادته لنا جينات امهاتنا.

بعد فترة حبس طالت شتاءً باردا بأكمله، عاد الأهالي عند ساعات المساء يجتمعون في ساحات المنازل ليتسامروا او ليتابعوا مباراة كرة قدم حاسمة او لمجرد التلاقي والتسامر بعد فترة من الانقطاع بسبب البرد.

وما ان يجلس السمار في ساحة البيت حتى تبدأ فلول الفئران احتفالاتها الربيعية على طريقتها، وهي مطاردة مستمرة فأر لفأر، جرذ لجرذ، والكل يدور في حلقة حول الجالسين غير أبهة بالوجود البشري في المكان، فتارة تصرخ هذه الفتاة مذعورة وتارة يقفز هذا الشاب من مكانه وتارة يتأفف صاحب البيت ويحمر وجهه وكأن المشهد من ترتيتبه… فلا تمر سوى دقائق معدودة حتى لا نجد أي من الجالسين حول الطاولة في ساحة المنزل يضع قدميه على الارض.. كل منهم رفع اقدامه ووضعها على ركائز كرسيه بصمت وابتسام كي لا يشعر أحد بخوفه أو بخشيته.

يبدو أننا نعيش مرحلة تطورت العلاقة بين الطيباوي والفأر فتخطت حاجز الرهبة او هاجس الانقراض، فالفأر، إذا جاز التعبير، لم يعد يخشانا، وهو بوجوده يتحدانا ويتحدى كافة وسائلنا في التصدي لتكاثره الرهيب، وللحق نقول ان الفأر الطيباوي نجح في إصراره وعناده لدرجة اصبح عدد الفئران في بلدنا حسب آخر الاحصائيات (بمناسبة عيد الاستقلال) يفوق عدد سكان المدينة بقليل.

لم تعد تجدي نفعا انواع السموم التي ينثرها صاحب البيت في اركان حديقة منزله وعند مداخله وشرفاته فالفأر طور قدرات التسلق على الجدران الخشنة وكأنه يسير على ارض مستوية ولم تعد تعيقه الأدوار المرتفعة من البيوت. لا ادري لماذا يحضرني هنا بالذات مشهد تعارفنا عليه بتسمية “حرب صدام” وانشغالنا بإلصاق النايلون على النوافذ وبتكديس معلبات الطعام في المطابخ واقتناء الشمع بكميات غير معقولة والكمامات التي كانت تمنحنا منظر القادم من كوكب آخر.

وجود قطعان الفئران بهذه الكثافة اصبح مرعبا، ولا جدوى من كافة التدابير التي نتخذها (ليس الجميع). اصبح الجرذ يهزأ باللاصقات التي ننصبها له في أركان الحديقة وصار يجرها بعيدا ويعود ظافرا بقطعة النقانق التي كانت تتوسطها، كما صار الفأر ينظر الى المسحوق الابيض القاتل ويتجنبه فهو يعرف تمام المعرفة ما هذا، وصارت القطط تفر ذعرا من الجرذان الضخمة التي تصول وتجول في ساحات المنازل!

كل شيء اصبح مختلفا هذا الربيع، لم نعد نلاحظ شيئا بسبب هذه الجرذان.. فلم نعد ننتبه هل تفتح الزهر فوق اغصان شجرة اللوز على بعد امتار منا في الحديقة لان عيوننا تحوم حول الشجرة لمتابعة حركة جلالته الفأر القادر على تعكير صفو حياة الانسان في كل لحظة لدرجة ينسيه الفصول وجمالها… فلا تحدثني بعد الآن عن الأدب والثقافة … ولا عن التقدم والتكنولوجيا! لا تحدثني عن الفرح والسعادة والرضا… ولا عن النظافة وعاداتها ولا عن الحرص والانتماء لهذا البلد طالما بقي فأر صغير واحد يتجول بحرية وسطنا وكأنه صاحب البيت ونحن عابرو سبيل.

قد يقول البعض ان الحل الوحيد هو تضافر جهود اهل الحي للتخلص من هذه الآفة برش المبيدات في كل ارجاء الحي لأن القيام بهذه العملية في ساحة واحدة وفي بيت واحد لا يقيه شر الفئران العابرة لأسوار البيوت في الحي الواحد… قد يكون هذا حلا صائبا، ولكن ألن تأتي الجرذان من الحي المجاور الى حينا وتنتشر مجددا كما حدث هذا في مرات عديدة وأماكن عديدة في الطيبة؟

إذن الحل هو بحملة واسعة كهذه تشمل كل احياء الطيبة في آن معا من اجل القضاء على هذا الطاعون المتجول بيننا (اين المسؤول؟).

هذا الطاعون الحي القوي الذي يعتدي على حاجيات اطفالنا ويلامس ألعاب صغارنا في ساحات منازلنا فيأتي الطفل بعد ذلك ويلهو بها، ومن صغارنا من يضع هذه الالعاب في فمه… فهل ندخل التاريخ من اسوأ ابوابه بظهور حالات مرضية انقرضت في العالم المتحضر منذ عقود؟

مع تحيات اخوكم ابو الزوز

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *