كلمة حرة

لكي لا نردد: أكلت يوم أكل الثور الأبيض

قررت المحكمة يوم الثلاثاء الماضي 5.12.2011 إبطال القرار من العام 2006 بهدم بيوت قرية السرة غير معترف بها، الواقعة في منطقة تل الملح غربي كسيفة.

الدكتور ثابت ابو راس

هذا  القرار يعتبر سابقة قضائية في تاريخ المحاكم الإسرائيلية ويبعث على التفاؤل الحذر بإمكانية التصدي بنجاح للمخطط الأوسع والذي يهدف إلى هدم الغالبية الساحقة من القرى الغير معترف بها ومصادرة حوالي  نصف مليون دونم من أراضي عرب النقب.  وستشهد نفس المحكمة في كريات جات, يوم الأحد القادم,  المحاولة الجادة لمركز عدالة ومحاميتها القديرة سهاد بشاره منع هدم قرية أم الحيران وترحيل سكانها.

القرار الصائب لقاضي محكمة الصلح يسرائل اكسلورد هو انتصار كبير لسكان القرى الغير معترف بها . وان دل على شيء فانه يدل على عدالة قضيتنا والحاجة الى النضال بجميع الوسائل المتاحة لتثبيت القرى وسكانها. كل هذا مع علمنا أن الحل لقضية القرى وأراضي عرب النقب لن نجده في أروقة المحاكم الإسرائيلية. فالقضية كانت وما زالت قضية سياسية وان الأمر بحاجة لنضال سياسي متواصل ومرهون بصمود عنيد وتكاتف شعبنا كله وجميع الأطياف السياسية والاجتماعية في نقبنا الواسع. نعم استطعنا منع هدم ألسره ولكن يجب أن نتذكر أن الدولة قد نجحت, حتى الآن, بهدم  قرى طويل ابو جروال والعراقيب. وهناك قائمة طويلة لقرى يخطط لهدمها في السنوات القليلة القادمة حسب مخطط برافر.

هذه الأرضية لقرار لجنة المتابعة للجماهير العربية بإعلان الإضراب الشامل بين جماهيرنا , في الجليل, المثلث, النقب والمدن الساحلية,وإقامة مظاهرة كبرى أمام مكتب رئيس الحكومة في القدس يوم الأحد القادم 11.12.2011. لقد أصبحت قضية عرب النقب قضيتنا جميعا. فالحكومة الإسرائيلية الحالية والأكثر تطرفا في تاريخ دولة إسرائيل, ممعنة في سياساتها العنصرية ولن تتوقف عند عرب النقب وأراضيهم. فسياسة تضييق الخناق على المواطنين العرب  في البلاد تأخذ صور مختلفة لكن هدفها واحد هو التمييز ضد المواطنين العرب وإبقائهم يعيشون على هامش المجتمع الإسرائيلي. لذلك إنجاح الإضراب العام والمظاهرة القطرية هو مطلب ومصلحة وطنية من الدرجة الأولى, وما أحوجنا نحن أبناء الأقلية الفلسطينية إلى الوحدة الوطنية أمام محاولات شرذمتنا إلى طوائف ومناطق جغرافية مختلفة. فالقضية واحدة والمصير واحد ولكي لا يردد احد منا يوما ما  “أكلت يوم أكل الثور الأبيض” علينا اخذ دورنا في المشاركة في الذود عن أراضينا وبيوتنا رمز وجودنا في هذه البلاد.

سياسة حكومات إسرائيل تجاه عرب النقب والمتمثلة الآن بوثيقة برافر هي بمثابة إعلان حرب عليهم. هذه الوثيقة التي أقرت في الحكومة الإسرائيلية في شهر أيلول الأخير, ستقر كقانون في الكنيست في الأسابيع القادمة  وبالتالي تجريم عرب النقب وشرعنه ترحيلهم عن أراضيهم بالقوة. هذا القانون هو تتويجا لأكثر من ثلاثين قانون أراضي سنت في كنيست إسرائيل منذ قيامها, وبالذات في فترة الحكم العسكري بعد قيام دولة إسرائيل. هذه المرة, وبدون حكم عسكري وتحت غطاء قانوني, تنوي حكومة إسرائيل الإجهاز على ما تبقى من احتياط أراضي عند الأقلية الفلسطينية. وإذا نجحت حكومة إسرائيل بتنفيذ سياستها الآنية فمعنا ذلك إنها ستصادر ما قيمته حوالي 80% من مجمل الأراضي الذي يمتلكها المواطنين العرب في الجليل والمثلث.

وسبق التحضير لهذه الخطة تحريض ارعن على عرب النقب على إنهم يسيطرون على “أراضي دولة”. هذا التحريض هدفه تكريس ثقافة الخوف والتخويف في المجتمع اليهودي وشرعنه الحملة على عرب النقب وأراضيهم. وفي سياق هذا التحريض يتم النظر إلى قضايا عرب النقي كقضايا أمنية وليست مدنية وبالتالي الحاجة إلى جنرالات للتعامل مع عرب النقب. لذلك ليس صدفة أن يكون صاحب الوثيقة, ايهود برافر, والذي طرح أفكاره حول قضية أراضي عرب النقب والقرى غير المعترف بها في مؤتمر هرتسليا في العام 2006, قد اشغل منصب نائب رئيس مجلس الأمن القومي السابق في إسرائيل. أما يهودا باخر, رئيس “سلطة تنظيم إسكان البدو” فهو قائد كبير سابق في شرطة إسرائيل. أما الجنرال يعقوب عميدرور, فهو رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي الحالي. وهو الذي “طور” وثيقة برافر بعد احتجاج أحزاب اليمين لكونها “تمنح البدو أراضي كثيرة”. والآن جاء دور الجنرال دورون الموغ, قائد المنطقة الجنوبية السابق المتهم بجرائم حرب ضد الفلسطينيين, ليكن الشخصية المسئولة عن تطبيق خطة برافر. إذا ترى حكومة إسرائيل إن قضية “إسكان وتطوير عرب النقب” هي حملة عسكرية بحاجة لعقلية عسكرية وعسكريين لتنفيذها.

إن إنجاح الإضراب العام والمظاهرة القطرية في القدس يوم الأحد القادم هو مطلب الساعة وهو الأمر الذي يستطيع أن يخلق رأي عام آخر يعارض سياسة الهدم والتمييز اللاحق بجماهيرنا النقباوية ومن شأنه إعطاءها رياح خلفية قوية تساعدهم على الاستمرار في صمودهم على أرضهم.

التحديات التي تواجه مجتمعنا كثيرة ومنها الفقر والبطالة والعنف. لكن تبقى قضايا الأرض والتخطيط القضية الأولى والمنبع الأساس لباقي قضايانا وعنوان نضالنا في السنوات القادمة.  نعم يجب الاستمرار  في النضال الدؤوب من اجل  مكافحة كل المظاهر السلبية والمشاكل المزمنة في مجتمعنا. لكن حل هذه المشاكل يبدأ في مساواتنا كمواطنين في الدولة والاقتناع بأننا ملح هذه الأرض وجزء منها.

بقلم: د. ثابت ابو راس – مدير مشروع عدالة في النقب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *