أخبار محلية

غسل العار،عرفٌ أم دين؟

سناء الغانم – القدس – من أكثر القضايا التي باتت تقض مضاجعنا رغم قلّتها، هي قضايا القتل على خلفية شرف العائلة ،فالبعض ما زالوا يعيشون بعقلية القرون الوسطى وينعتهم المجتمع بالمتشددين الذين ما زالوا يؤمنون ويمارسون القتل بحجة غسل العار، لا نستطيع إنكار العادات والتقاليد والموروث الاجتماعي الذي توارثناه عبر العصور لكن بعضها أصبحت مقيتة في ظل التطور وتقدم الحضارات ،ورغم ذلك تلك الفئة ما زالت تلّفها العادات والأعراف كالشرنقة لا يستطيعون الامتناع عن الانسياق خلف تلك الأفكار والتصورات المجتمعية.

 الشيخ سالم ابو صويص- رهط
الشيخ سالم ابو صويص- رهط

 ” لماذا يُغسل عار النساء ،ولا يغسل عار الرجال“

 أصبحت تلك التقاليد قليلة ،فقد بات نادرًا ما نسمع عن قضية غسل عار هنا وهناك كل عدة سنوات فقد أصبح هنالك العديد من الحلول البديلة للقتل، منها التستّر والتغاضي واللجوء إلى الحلول الوسطية كالزواج بما لا يؤدي إلى الفضيحة ويعطي ” المخطئ“ فرصة الصلاح. لكن هل إن الشرف الرفيع الذي تسيل على جوانبه الدماء هو هذا المكان الصغير من جسم المرأة، ولماذا لم يُمارس القتل مع الرجال الذين يقومون بالفاحشة؟!

في سؤالي للشيخ سالم أبو صويص، خطيب مسجد التقوى في مدينة رهط حول ما إذا تم ذكر موضوع غسل العار بالقتل ،كعقاب لمرتكبي الزنا والفاحشة بالقرآن الكريم والسنة أجاب:

 بسم الله الرحمن الرحيم ،لا شك أن الزنا من كبائر الذنوب ومن الجرائم الاجتماعية الفظيعة، يقول الله سبحانه وتعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا}. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه تضمنت له بالجنة».

فالدين الإسلامي جاء ليصون العرض، وليحمي المجتمع الإسلامي من الرذيلة ! ومع ذلك فإن ازدياد ظاهرة ما يسمى القتل من أجل شرف العائلة ،أو التطهير من العار، هو اعتداء وظلم ،فيقتل فيه من لا يستحق القتل !!

ويضيف أبو صويص قائلا: عادة تكون الضحية الفتاة، ولم نسمع أن قتل رجل على خلفية الزنا، والمرجعية في الحدود الشرعية هو القرآن والسنة النبوية، فالبكر إذا زنت، عقوبتها الشرعية الجلد والنفي سنة، وليس القتل! لقول النبي صلى الله عليه وسلم :«البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام» رواه مسلم . فمن قتلها فقد قتل نفسًا مؤمنة حرم الله تعالى قتلها، وقد ورد في ذلك الوعيد الشديد من الله تعالى في قوله :  ” وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا “.

وقد ورد في بعض النصوص الشرعية، جواز قتل الزناة حال تلبسهم بالجريمة فقط. فقد ورد في الحديث أن سعد بن عبادة قال: «لو رأيت رجلاً مع امرأتي لضربته بالسيف غير مصفح. فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أتعجبون من غيرة سعد لأنا أغير منه والله أغير منا» وقد شدد الإسلام في قضية الشهادة على الزنا واشترط أربعة شهود، قال تعالى: {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ} [سورة النساء الآية ١٥} وقال تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثمَانِينَ جَلْدَةً} [سورة النور الآية٤وأما حد القتل فيكون للثيب أو الثيبة أي إذا كانت متزوجة، وحتى في هذه الحالة لا يحق لأي أحد إقامة الحد عليها، لأن تنفيذ العقوبة هو من اختصاص القاضي أو المحكمة أو إمام المسلمين( وهذا غير متوفر في بلادنا )، وليس الأمر للزوج أو الأب أو الأخ أو غيرهم. إن كثيرًا من حالات القتل على خلفية شرف العائلة تقع بعد حصول حادثة الزنا بفترة طويلة، وغالبًا ما تكون بعد أن تظهر على الفتاة علامات الحمل من الزنا، فتقع جريمة القتل  بتحريض من الناس، وخوفًا من القيل  والقال فتقتل عرفًا وعادةً ،وليس شرعا ودينا !!(أقوال ابو صويص)

قضية غسل العار ليست حكرًا على المجتمعات المسلمة، لطالما سمعنا الكثير عنها في مجتمعات وديانات أخرى منها المسيحية، وللاطلاع أكثر على رأي الديانة المسيحية بالقتل كوسيلة لغسل العار، طرحتُ تساؤلي على داود ديفيد عازار من رام الله، بكالوريوس دراسات في الكتاب المقدس، فقال: أولا ولكي نكون واضحين في مبدأ القتل بالكتاب المقدس فهو أمر مرفوض كليًا وفي وصية من الوصايا العشر في سفر الخروج الإصحاح ٢٠ والآية ١٣ تقول ” لا تقتل”. أما إذا أردنا الخوض في موضوع القتل على قضية الشرف أو على قضية ” الزنى” مثلا ،في إنجيل يوحنا الإصحاح الثامن والآيات من ١ إلى ١١، يتحدث عن حدث وقع مع يسوع المسيح، انه جاء الناس وشيوخ اليهود ومعهم إمرأة وقالوا له بأن هذه المرأة وجدوها متلبسة بخطيئة الزنا وكما هو معلوم بأنه واجب قتلها فما رأيك؟ فكان رد يسوع المسيح واضحًا، أجاب في يوحنا ٨ : ٧ ” من كان منكم بلا خطيئة فليرمها أولًا بحجر!”

لذا فإن الموضوع لا يحتاج إلى إطالة بالحديث والشرح أو يأخذ حيزًا أكبر وكلمات مبهرة، في بعض الحالات هنالك عائلات مسيحية وبسبب عادات وتقاليد ربما قامت بالاعتداء وتعنيف بناتها أو أحدهم قام بضرب زوجته لعدة أسباب لكن حتى في هذه الحالات، الكتاب المقدس يعلمنا بأنه في الرسالة إلى أهل افسس ٥ : ٢٥ ” أيها الرجال، أحبوا نساءكم كما أحب المسيح أيضا الكنيسة وأسلم نفسه لأجلها” وهكذا وصية عندما نفهمها في إطار ايماننا ومحبة المسيح للكنيسة بأن المسيح قبِل الموت على الصليب لأجل الكنيسة.

فالرجل المسيحي من معنى الآية يجب أن يتحمل كل الظروف وتكون محبته لزوجته كما لو انه تعرض للموت ويضع نفسه وحياته مقابل وفداء هذه المحبة وبالمعنى  العام في الشارع يكون مستعد ” يفديها بروحه” .

 وفي النهاية وكما تقول الرسالة الى اهل كلوسي ٣ : ١٨ أيها الرجال، احبوا نساءكم، ولا تكونوا قساة عليهن. (أقوال ديفيد).

 ديڤيد داود عازار- رام الله
ديڤيد داود عازار- رام الله

 إذًا يستدل مما سلف على أن حتى الكتاب المقدس لم يذكر القتل كعقاب للزنا أو كطريقة وحلّ لغسل العار والشرف في المجتمعات العربية المسيحية.

وقد سمعنا مرارًا عن حوادث قتل على خلفية  ما يسمى بشرف العائلة في الوسط العربي الدرزي  ويعود ذلك إلى مخالفة لأعراف وتقاليد الجالية الدرزية وليس بالضرورة ان تكون قضايا زنا.

عادات وتقاليد، مصطلحان مصاحبان لأي واقعة ومناسبة وحدث في مجتمعاتنا ، مصطلحان أساسيان لهما الأولوية دائما في أي حادثة أو واقعة، لكن رغم ذلك ما زال الكثير من الناس يتهمون الدين ورجال الدين بأحداث القتل وغسل الشرف المزعوم ذاك، بل ويحرضون عليهم وخاصة بعض الجمعيات النسوية  والعلمانية وغيرهم ،الكثير من الناس ما زالوا يجهلون الفرق بين العرف والدين والكثير من الأعراف تعتبر مخالفة للدين أصلا، لكن على من تقع المسؤولية بهذا اللغط الواقع، إذا كانت الديانات والكتب السماوية كلها تحرّم القتل لغسل العار إذًا لماذا تقتل النساء عرفيًا ويُتهم الدين بذلك ؟! سؤال لربما سيبقى يتردد على مسامعنا حتى عقود أخرى قادمة من الزمن، غسل العار هو دين منزل من السماء أم عرفٌ نبت من الأرض.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *