2كلمة حرة

قراءة للتحرك المطلوب في أعقاب الانتخابات – لوين رايحين ؟- بقلم: جعفر فرح

 لوين رايحين ؟

جعفر فرح
جعفر فرح

اتفق المجتمع العربي بغالبيته على أن القيادة الحالية لم تقنع الناس بالبرامج السياسية وبالتصويت في ال انتخابات البرلمانية الأخيرة. فنسبة التصويت المنخفضة التي لم تتجاوز نصف أصحاب حق الإقتراع وعبارات الإعتذار من القيادة تجاه الناس وخصوصًا في أعقاب نسبة التصويت المتدنية وهبوط تمثيلنا البرلماني من 13 مقعدًا إلى عشرة تعبر عن تحدٍّ فكري وتنظيمي في التصور المستقبلي وآليّات التحرك التنظيمية التي تعتمد على اتجاه واضح للتحرك الوطني والإجتماعي. فالشعور العام وكأننا نتحرك بدون بوصلة تقودنا الى مكان أفضل أدّى الى ردود فعل على الواقع المفروض علينا، بدل المبادرة للخروج من الأزمة نحو واقع أفضل. ومثل كل انسان او مجموعة عمل، علينا ان نتفق على وجهتنا المستقبلية، وبالعامية أن نحدد “لوين رايحين”، وبعدها نختار شكل التنظيم الأفضل الذي سيقودنا الى هذا المكان. فكل فرد وعائلة ومجموعة عليها ان تتفق على هدفها وبعدها أن تبحث عن آليات وطرق للوصول الى هذا الهدف.

علينا أن ننطلق إلى المرحلة القادمة للوصول الى الهدف بعد دراسة التجارب السابقة وامكانيات التحرك المستقبلية ووضع آليات عمل جديدة. أساهم هنا بهذا النقاش من خلال طرح تصوّر أوليّ لأربعة محاور تحتاج الى النقاش واتخاذ القرارات:

الجماهير العربية الفلسطينية ومستقبلها:
مستقبل الجماهير العربية الفلسطينية داخل المواطنة الإسرائيلية غير قابل من ناحيتنا للتفاوض. فمنذ النكبة لم نتنازل عن هويتنا الفلسطينية ومكانتنا كجزء من الأمة العربية ومواطنتنا داخل إسرائيل دون القبول بالمركبات اليهودية للدولة. رفضنا التفاوض على هذه المركبات منذ النكبة وخلال الحكم العسكري واتفاق أوسلو. تتطلب هذه المكانة الخاصة تنظيم شبكات العلاقات مع الدوائر الثلاث وتوضيحها. فالتدخل الفلسطيني بتنظيماتنا السياسية والتدخل العربي والإسلامي في عملنا السياسي قد دفعنا ثمنهما على مستوى القيادة والأداء السياسي منذ النكبة. ويأتي هذا التدخل أساسًا بسبب مواطنتنا الإسرائيلية وليس بسبب انتمائنا إلى الشعب الفلسطيني أو الأمة العربية. تنظيم علاقتنا وتوضيح دورنا كجزء من الشعب الفلسطيني والعالم العربي والإسلامي يتخطى الزيارات واللقاءات، ويجب أن لا يتحول إلى علاقة متلقي الأوامر ومنفذ سياسة أنظمة عربية أو أجنبية، كما حدث ويحدث فلسطينيًّا او عربيًّا. علينا التعامل مع هوياتنا وعلاقاتنا مع شعبنا من منطلق المسؤولية التاريخية لإنهاء مأساة هذا الشعب مستفيدين من مكانتنا ورافضين للإملاءات من اي طرف فلسطيني أو عربي أو أجنبي او إسرائيلي. نحن من حافظ على الوجود الفلسطيني والعربي داخل إسرائيل منذ النكبة ونحن من قاومنا الحكم العسكري وكنّا شهودًا على كذبة تحريرنا من قبل الأنظمة العربية. منذ النكبة اعتمدنا موقف إستقلالية قرارنا كمرجعية لصمودنا وتطورنا في الوطن. نحن نعاني ما نعانيه داخل إسرائيل بسبب الانتماء للشعب الفلسطيني والمنطقة العربية وعدم يهوديتنا. علينا ان نقبل بفلسطينيتنا وعروبتنا ومواطنتنا والثمن الذي ندفعه بسبب ما فرض علينا ولم نختره. ولكي نتعايش مع الواقع المركب علينا تنظيم العلاقة مع الدوائر التي فرضت علينا لننهي مأساة شعبنا وعائلاتنا المشردة وبناء مستقبل أفضل.

الاتفاق على مستقبلنا وعلاقتنا بالدوائر الثلاث سيساهم، على سبيل المثال، في تغيير مكانة طلابنا في الجامعات الفلسطينية او الأردنية او الإسرائيلية دون التنازل عن مشروع إقامة جامعة فلسطينية عربية داخل إسرائيل تبحث واقعنا وتدرس آليات تطورنا وتساهم في التعليم والتدريب. ينطبق هذا المثال على حاجاتنا الإعلامية او الرياضية او الثقافية او الاقتصادية او الدينية. فالاغلبية اليهودية تتعامل معنا كجزء من هذا الشعب الفلسطيني حتى لو رفض البعض، وعلينا تحمل مسؤوليتنا في إنهاء مأساة باقي أجزاء شعبنا وتغيير التعامل العنصري مع وجودنا كأصحاب الوطن.

أزمة حل الدولتين:
لمجتمعنا الفلسطيني في الداخل دور مركزي في دعم، ولاحقًا إفشال مسار أوسلو بسبب تغييبه لتطلعاتنا الوطنية والإنسانية. دعمنا الاعتراف بمنظمة التحرير ومنحنا حكومة رابين الاغلبية البرلمانية عام ١٩٩٢ وساهمنا في إسقاط اليسار الصهيوني عام 1996 وعام 2001  (بسبب الاعتداء على الاقصى وقمع مظاهرات أكتوبر 2000  من قبل حكومة ايهود باراك التي دعمتها الجماهير العربية بانتخابات عام 1999 ).

تتطلب المرحلة القادمة منا اقتراح حل لحق الشعب الفلسطيني بتقرير مصيره. تفرض حكومات إسرائيل تقرير مصير الشعب اليهودي بدولة واحدة من البحر الى النهر ونظام تمييز عنصري وحكم عسكري. فعليا، نحن نمارس حل الدولة الواحدة بارسال طلابنا إلى الجامعات الفلسطينية ودعم الأسواق والإقتصاد الفلسطيني، ولكن أحزابنا تدعم علنًا حل الدولتين. على تصورنا السياسي المستقبلي أن يتعامل مع حاجاتنا الإنسانية والوطنية والدينية كجزء من الشعب الفلسطيني وتحقيق مطلب تقرير المصير لشعبنا. علينا طرح تصورنا للسلام المنشود. يتطلب فشل اوسلو بلورة اقتراح سلام عادل. فمنذ تبني غالبية اليهود ومؤسسات الشعب الفلسطيني والعالم لشعار الحزب الشيوعي والجبهة “دولتان لشعبين” لم نطرح أي تصور متطور يتجاوب مع حاجاتنا بحل سلميّ عادل بين الشعبين. فشل اوسلو والانسحاب من غزة وحصار القدس وتنفيذ حل الدولة من قبل اليمين تتطلّب وضع تصور جديد لمستقبل شعبي المنطقة. أدخلنا الانقسام الفلسطيني والحروب الأهلية في المنطقة العربية الى أزمة جدية حول قدرتنا على بناء شعب في وطن يجمعنا على أساس وفاق وطني يحترم إرادة الشعوب دون انتهاك حقوق الناس. فأصعب ما يمكن ان تسمعه في السنوات الأخيرة في المناطق الفلسطينية المحتلة عام 1967 هو جملة “اليهود أرحم من جماعتنا”.

فالرفض الفلسطيني واليهودي لاقتراح “حل الدولتين” حسب مسار أوسلو والانسحاب من غزة يتطلبان تطوير تصور جديد لمستقبل العلاقة بين الشعب الفلسطيني واليهودي بين البحر والنهر. لن يتنازل أي طرف عن حقه في تقرير المصير بدولة، ولكنّ هذا الحل يحتاج الى تعامل خلاق مع مكانة الفلسطيني في الداخل، ومستقبل القدس، والفصل بين غزة والضفة والاستيطان والحدود واللاجئين. فنجاح نتنياهو بفرض سياسة “ادارة الصراع” مقابل سياسة “الفصل” التي يسوقها ضباط معسكر اليسار والسلام تتطلب منا في الداخل طرح تصور جديد لحل تقرير المصير بدولتين. فالمصالحة التاريخية بين الشعبين يجب ان تشمل الاعتراف بالجريمة وتحمل مسؤولية ما نتج عنها من تمزيق للشعب الفلسطيني وممارسة ديمقراطية لتقرير المصير واحترام حقوق الأقلية الفلسطينية والحفاظ على الاماكن المقدسة للطوائف بمختلف أماكن تواجدهم.

الهويات الإثنيّة في أنماط التصويت:
تتعامل الأحزاب السياسية التي تمثل الجماهير العربية منذ العام ١٩٩٢ مع اليسار الصهيوني ولاحقا “المعارضة اليهودية” وكأنها الحليف الوحيد لإسقاط اليمين. وتتوقع منه الانتصار لتمنحه الاحتياطي العربي ككتلة مانعة. تقاعسنا عن تحليل أنماط التصويت الاثنية التي تجذرت في البلاد منذ انتخابات ١٩٧٧ وانقلاب اليهود الشرقيين ضد الاشكناز ومباي. ونشهد تعميق أنماط التصويت الإثنية. فالروسي المهاجر يدعم ليبرمان والمتدين الشرقي يدعم شاس والمتدين الاشكنازي يدعم يهدوت هتوراة والشرقي المحافظ يدعم الليكود وكولانو والعلماني الاشكنازي يدعم كحول لفان، وميرتس وحزب العمل والمستوطن في المناطق المحتلة دعم أحزاب اليمين العنصري والعرب دعمنا احزابنا. فانتصار الليكود عام 1977 كان بمثابة انتقام من، وإطاحة بنظام مباي “اليساري الاشكنازي” الذي نفذ النكبة والحكم العسكري واستغل اليهودي الشرقي وسيطر على موارد البلاد. نتجاهل تعميق أنماط التصويت الاثني عند اليهود والعرب وفشل الطرح الطبقي في الصراع على الموارد بتجنيد الدعم المطلوب من العرب واليهود (سوى تجربة تحالف الجبهة مع تشارلي بيطون من الفهود السود). ونشهد عمق أنماط تصويت الهويات على أنواعه دون ان نبحث عن تحالفات جديدة تخرجنا من حالة الحصار التي تعيشها أحزابنا.

فانتصار معسكر اليمين بأكثر من 60% من المصوتين له جذور إثنية في تقسيم الكعكة الاقتصادية وموارد اليهود في إسرائيل والتبرعات التي تصل من خارجها. وأصبح تحالف العرب واليسار الاشكنازي أقلية نسبية وبرلمانية لا تتجاوز 40% من المصوتين. وأصبحنا نحن والإعلام، الذي يتجاهل أنماط التصويت الاثنية، العدو المشترك للمصوت لمعسكر الاحتلال في ظل غياب رؤيا اجتماعية وسياسية لمعسكر المعارضة الاشكنازي أو ما تبقى منه. فتغيير اسماء القيادات (ايهود براك- ايهود اولمرت- عمير بيرتس- بوغي هرتسوغ- آفي جباي وبيني غانتس) لم يجلب الانتصار الانتخابي لمعسكر المعارضة الاشكنازي- العربي. وتوقعاتنا من معسكر المعارضة ان ينتصر، وضعتنا في حالة انتظار في التعامل مع الناخب اليهودي. حالة انتظار لانتصار “الاشكناز” او القيادات القديمة برهنت مجددا، في الانتخابات الأخيرة، أنها غير مجدية. على استراتيجياتنا المستقبلية التعامل مع صراع الهويات في تقسيم الموارد السياسية والاقتصادية بين اليهود. فبدون استقطاب ١٠% من اليهود الشرقيين والروس لمعسكر المعارضة لن يحدث تغيير على الأغلبية البرلمانية الحاكمة. علينا تشكيل طاقم عمل مهني يقوم ببناء استراتيجيات تأثير في الرأي العام اليهودي وفي تنظيماته الانتخابية. نتنياهو واليمين يستهدف بحملاته الانتخابية التحالف العربي – الاشكنازي ويسوقه كتهديد للقيادات الجديدة التي تركب أحزاب ائتلافه الحاكم. علينا التعامل مع الشرخ الطائفي بين اليهود لتغيير معادلة أغلبية اليمين العنصري. يتطلب هذا التغيير رصد الموارد البشرية والإنسانية والفكرية لاختراق المجتمع اليهودي وطرح بديل لسياسة إدارة الصراع والتحريض التي يتبعها نتنياهو ويسوقها اليسار الاشكنازي. وقد شهدنا في انتخابات البلديات الاخيرة تحالفات غريبة سياسيا بين أحزاب وطنية ومرشحين روس. ويجلس في بعض البلديات مثل نتسيرت عليت ومعلوت – ترشيحا و حيفا اعضاء من احزاب وطنية فلسطينية مع أعضاء تمثل مجموعات اثنية تنتمي لأحزاب يمين منها شاس و”يسرائيل بيتنو”.

وحدة الجماهير العربية والإدارة الذاتية السياسية والثقافية والدينية والتربوية:
تملك الجماهير العربية الفلسطينية في إسرائيل قوة مميزة بسبب قدرتها الانتخابية ومكانتها داخل إسرائيل وكجزء من الشعب الفلسطيني. تستطيع الجماهير ان تفرض “القائمة المشتركة” وأن تهدد او حتى تسقط أحزابًا. ولكي تحافظ الجماهير على قوتها عليها إيجاد آلية للتأثير على اولويات من يمثلها والمشاركة في انتخاب من يمثلها في برلمان الدولة. فبدون شراكة حقيقية في اختيار من يمثلنا ستتعمق مقولة “شو عملولنا”. برهنت نتائج الانتخابات في السلطات ال محلية رغبة الناس في التأثير والمشاركة والمحاسبة والتمثيل. وشهدنا خلال السنوات الماضية تهميش للجنة المتابعة العليا من قبل القائمة المشتركة ومركباتها التي تملك الموارد المالية والبشرية. وعلينا ان نتخذ قرار حول تمثيل جماهيرنا من خلال تحويل لجنة المتابعة إلى هيئة تمثيلية منتخبة تحصل على شرعية الناس للتمثيل الوحدوي على المستوى الفلسطيني والعالمي والبرلماني.

إشراك الناس واستعادتهم لملكيتهم على مؤسساتهم الوطنية والحزبية يتطلبان احترام الناس ومنحهم حق صياغة الأولويات والانتخاب المباشر لمن سيمثلهم في الدوائر المختلفة: المجتمعية، الفلسطينية، العربية، الدولية والإسرائيلية. فمشروعنا الوطني يتطلب رؤيا اجتماعية تتعامل مع الفقر وأزمة التشغيل والسكن إلى جانب القضايا الوطنية المحلية والإقليمية. فبناء الشعب ( Nation Building) يتطلب تحليلا ورؤية وممارسة تختلف عن القائم حاليًّا. وحدة الجماهير العربية وقدرتنا على إدارة مؤسساتنا السياسية والثقافية والدينية والتربوية والاهلية تتطلب بناء مركز اتخاذ قرار سياسي يبادر ويقود المتجتمع الفلسطيني ولا يكتفي بالرد على الواقع كما يحدث اليوم.

الصراع الطبقي الاجتماعي:
ينجح اليمين العنصري من تحييد الصراع الطبقي والاستغلال الاقتصادي والاجتماعي من المشهد الانتخابي والانتصار في الانتخابات. فأزمة السكن التي تعاني منها الجماهير العربية أصبحت قضية مركزية يعاني منها المواطن اليهودي. ولم تعالج الحكومات الإسرائيلية أزمات الفقر وأسعار السلع والمنازل على الرغم من تغيير وزراء المالية. وحتى الفساد الواضح الذي يمارسه نتنياهو وزمرته لم يؤدِّ إلى سقوطه في الانتخابات الأخيرة.
كمجتمع يعاني من سياسة الإفقار والاستغلال علينا ان نطرح وبقوة القضايا الاجتماعية والسياسات الاقتصادية امام الرأي العام العربي واليهودي. نصف مجتمعنا يعاني من الفقر، وندفع أسبوعيًّا ثمن استغلال عمالنا ولكننا لم نبنِ حتى اليوم استراتيجية طبقية اقتصادية اجتماعية نطرحها داخل مجتمعنا وامام المجتمع اليهودي الذي يتم استغلاله بحجج قومية.

يجب على طرحنا ان يشمل القضايا القومية والوطنية الى جانب القضايا الطبقية والاقتصادية. فالنظام الاجتماعي الاقتصادي السائد في إسرائيل والخصخصة التي تمارس هي فرصة للتعامل مع الاستغلال القومي. فمن يخصخص الكيبوتسات وصناديق المرضى وشركة الكهرباء والشركات الحكومية يخصخص المؤسسات الصهيونية اليهودية التي بنت الدولة اليهودية وعلينا التعامل مع هذه المرحلة لطرح بديل لفكر “قانون القومية”.

تلخيص:
علينا استخلاص العبر مما حصل في السنوات الاخيرة بالعمق المطلوب لبناء استراتيجيات تغير واقعنا. سندفع ثمن ما حصل في الانتخابات وعلينا طرح تصور جديد لمستقبل الشعب الفلسطيني ومستقبل علاقاتنا مع الشعبين. وعلينا ان نستغل مكانتنا وقدرتنا في تحليل وفهم ما يحدث بالبلاد لبناء تصور جديد نطرحه لحل مأساة الشعب الفلسطيني وبناء منظومة سياسية واقتصادية واقليمية تتجاوب مع حاجاتنا ومكانتنا الخاصة.

هذه مسودة لورقة عمل للنقاش المجتمعي ويجب تطويرها. اطرحها للنقاش في مؤسسات الأحزاب والمؤسسات البحثية والشعبية. نحن بمرحلة حرجة وعلينا الخروج بأسرع وقت بخطط عمل تتبنى تصورات فكرية وعملية تعتمد على تحليل وطني واجتماعي لواقعنا وتصور لمستقبلنا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *