كلمة حرة

داخل المواطنة من خارج السياسة: نحو توجه سياسي آخر- بقلم: المحامي رضا جابر

كيف يمكن أن يمر قانون القومية، بما يحمله من تأثيرات عميقة على مكانتنا كأصحاب وطن، بردة فعل فاترة من قبل المواطنين الفلسطينين في اسرائيل؟ ما هي الاسباب العميقة التي أدت الى ذلك؟ اقصد على مستوى الجمهور وليس فقط النخبة والقيادة.
إن الرد بصدق وجرأة على هذين السؤالين هو أول الطريق لفهم التغيرات الهائلة التي مر ويمر بها مجتمعنا.

 مدير مركز “امان” المركز العربي للمجتمع الامن، ومدير وحدة المحامين العرب في البلاد، المحامي رضا جابر
مدير مركز “امان” المركز العربي للمجتمع الامن، ومدير وحدة المحامين العرب في البلاد، المحامي رضا جابر

أول الطريق لاعادة بناء وتنظيم مجتمعنا امام التحديات التي يفرضها القانون الجديد على مستقبلنا، ليس سياسيا فحسب بل ايضا على المعاش اليومي بالعلاقة مع الاغلبية والتي نحن مرتبطون بها بحبل الوريد. هو ايضا اول الطريق الى اعادة الثقة الآخذه بالانكماش بين المواطن الفلسطيني وقيادته الشرعية. اقترح تفسيران:

الاول، إن المواطن الفلسطيني عوّد على التعامل مع السياسة وكأنها لعبة او مبارزة، بل وأدمن مشاهدها. انه ينظر الى هذا القانون في هذا السياق، سياق “اللعبة” السياسية. أُفهم المواطن، عبر احزابه وقياداته وتحت تأثير الاعلام العبري بالاساس، بان ساحة ” النضال” هي السياسة بهذا المعنى المختزل في السجالات والنقاشات بين يمين ويسار، بين عربي ومتطرف يهودي، وبأنها الساحة المركزية للفعل والعمل السياسي وان اي عمل خارجها هو عمل غير ممكن. تعوّد الفلسطيني ان سقف الفعل السياسي هو داخل ومن خلال السياسة الاسرائيلية وتعوّد ان يراها تحت عنوان “السجال والمناكفة وردود الافعال” ولم يراها ولم يتخيلها بالمعنى الندي والحقيقي ومن خارجها. فهو تعوّد وتفهم عجزها، أدمن انتصاراتها الوهمية والحقيقية احيانا وانتشى بلحظاتها الضئيلة. ان الحيز الفعلي والمتخيل للعمل السياسي الفلسطيني حوصر واختزل في مساحة محدده حدودها الكنيست فقط على اهميتها كاثبات للوجود بل والى بلورته والحفاظ عليه.

لقد حجب هذا النوع من السياسة امكانية بلورة موقف ومضمون للفلسطيني الفرد بافق متحرر من التبعية للسياسة بمفهومها الاسرائيلي هذا. لقد ذوت الفلسطيني دونيته في اطار السياسة الموجودة.

اذا، المواطن يتعامل مع هذا القانون من خلال هذه الذهنية. وفي اللحظة الحاسمة لم يستطع ان يخرج من أسرها وينظر الى الواقع الجديد بذهنية متحرره من قيودها، تقرأ المستقبل، تعقيداته ومخاطرة. انه اسير اللحظة واللحظة لم تتغير. لم تفعل قياداته، السياسية والثقافية، اي شيء جدير ولم تغير خطابها ولا اسلوبها لكي تضع هذا المواطن في السياق الجديد، سياق تغير قواعد اللعبة التي فرضها القانون، انها نفسها موجودة فيه وغير مستعدة لكي تخرج منه او ان تتحداه الى الخروج من سطوته. المواطن والقيادة داخل دائرة الاسر الذهني المشترك.

لذلك بدون اعادة بناء رؤية جديدة تعيد المعنى للعمل السياسي، يتكّون ويتبلور من خارج قواعد اللعبة التي تفرضها الاغلبية والبحث عن تركيبة تضمن استقلالها حتى وان كان نسبيا، فان المواطن سيبقى خارج دائرة تأثير سياسييه عليه بصورة جدية وجديرة. ان توسيع مساحة وأفق العمل الفلسطيني الى ابعد من خانة الكنيست ومعها وبالاساس الى التنظيم بمؤسسات جامعة تستمد شرعيتها من مواطنيها، بمؤسسات سياسية تنظم مجتمعها ليس فقط سياسيا بل ثقافيا واقتصاديا، هو أهم جواب لقانون القومية. ان مؤسسات كهذه هي أكبر رد على المعنى العميق للقانون لاننا بذلك نتصرف كشعب وليس كأفراد وكأحزاب. ان تطوير مساحات جديدة للعمل السياسي والثقافي والاقتصادي هي الاهم وليس الاحتجاج. استبدال سياسة السجال بسياسة المبادرة.

الثاني، ان الواقع المادي يقول بان المواطن الفلسطيني مرتبط بالمواطنة الاسرائيلية ارتباطا وثيقا، اقتصاديا وحياتيا وبل وأكثر من ذلك، رباط لا فكاك فيه، وهذا له اسقاطات عميقة على استعداده للمجازفة بأي من امتيازات المواطنة. ولذلك لا يمكن استقطابه لاي عمل جدي ضد القانون الا من خلال ومن داخل المواطنة. أي بشعوره بأنه لا يخاطر بها. أعرف بان هذه الحقيقة غير مريحة، ولكن على كل قيادي ان يفهم عمق هذا الخوف من المجهول وعمق هذا الارتباط بالمواطنة والتي تغذيه الاحوال المحيطة المحبطه عربيا وفلسطينيا. تطوير معنى حقيقي وتطوير مضمون المواطنة، يضمن امتيازاتها الحالية ويطرح اجوبة مواجه للقانون وربطها بالمعاش اليومي، امر في صلب مواجهة القانون. وهذا مرتبط بالعامل الاول اي باعادة وتوسيع نطاق التنظيم السياسي، الثقافي والاقتصادي، يأخذ المواطنة بجدية.

ان اي عمل حقيقي لمواجهة قانون القومية واي عمل سياسي منظم لا يستند على فهم هذين العاملين هو عمل مشوه ومردوده ضئيل. انهما مرتبطان جدليا ودون فكاك.

ان الابداع بالمزاوجة بين المواطنة والسياسة ولكن خارج السياسة بمعناها كما عهدناها حتى الان، ليس السياسة التي تنظمها وتفرض قواعدها الاغلبية، بل السياسة التي تتشكل من هيئات سياسية، ثقافية واقتصادية مستقلة تتعامل بندية مع السياسة الاسرائيلية وتمثلنا كشعب وتطرح مفهوم جديد للمواطنة، هو أهم جواب للقانون.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *