كلمة حرة

السّلطات المحلّيّة.. والثّقافة! بقلم: سيمون عيلوطي

غياب الثّقافة عن برامج أصحاب القوائم المتنافسة على أصوات الجماهير العربيّة لم يأتِ صُدفة، بل هو استمرار لتجاهل بلديّاتنا ومجالسنا المحلّيّة العربيّة لهذا الموضوع منذ سنوات طويلة، مرّت دون أن تطرح أيّة سُلطة منها، برامج لدعم وتنمية وتطوير حركتنا الثّقافيّة على أنواعها المختلفة…

لم تأخذ الثّقافة حيّزًا تستحقّه في نشرات برامج القوائم المختلفة التي تقدّمت لانتخابات السّلطات العربيّة المحلّيّة مؤخّرًا، على اعتبار أن الثّقافة من أهم ركائز المجتمع التي تُميّز هويّته وتُبلور ملامحه وشخصيّته، وتُنمّي عنده الانتماء إلى كلّ ما له صلة بثقافته ولغته وتراثه وفنّه. اللافت للانتباه أيضًا هو أنّ العديد من هذه القوائم لم تأتِ على ذكر الثّقافة في برامجها مطلقًا.

غياب الثّقافة عن برامج أصحاب القوائم المتنافسة على أصوات الجماهير العربيّة لم يأتِ صُدفة، بل هو استمرار لتجاهل بلديّاتنا ومجالسنا المحلّيّة العربيّة لهذا الموضوع منذ سنوات طويلة، مرّت دون أن تطرح أيّة سُلطة منها، برامج لدعم وتنمية وتطوير حركتنا الثّقافيّة على أنواعها المختلفة، وإنْ أضفنا بأنهم لم يتطرّقوا لا من قريبٍ ولا من بعيدٍ إلى أهمّيّة علاقة ثقافتنا بالثّقافات الأخرى، خاصّة الثّقافة العبريّة التي بات من الضّروريّ الانفتاح عليها، ممّا يساهم في تعزيز العيش المشترك بين شعبيّ هذه البلاد، ندرك مدى تهميشهم لدور الثّقافة على جميع الأصعدة، وبالتّالي يبرز أمامنا بوضوح عدم اهتمامهم  بالمثقّفين، الكتّاب، الأدباء، الشّعراء والفنّانين عامّة.

تجاهل سُلطاتنا العربيّة المحلّيّة لهؤلاء الأدباء والفنانين المتمثّل في نهجهم بعدم الوقوف إلى جانبهم لتقديم الدّعم لهم، بغية تمكينهم من تطوير أداوتهم ومتابعة مشوارهم مع الفنّ والإبداع لهو ناقوس خطر، يُنذر باستمرار تردّي وتراجع الوضع الثّقافيّ في مجتمعنا ويُعطّل بشكل مباشر أو غير مباشر دور المثقّف الرّياديّ في نقل أبناء مجتمعه إلى حالة أفضل.

من هذا المنطلق لا بدّ من وضع موضوع الثّقافة في سلّم أولويّات السّلطات التي فازت مؤخّرًا بالحُكم المحلّيّ والعمل بكلّ الوسائل الممكنة من أجل أن تُضاعف وزارة الدّاخليّة أو دائرة الثّقافة والرّياضة والفنون في وزارة التّربية والتّعليم، الميزانيّات المخصّصة لهذا الغرض الذي من شأنه أن يرفع مكانة ثقافتنا العربيّة في هذه البلاد من جهة، ويمكّن المثقّف من أن يأخذ دوره الرّياديّ في المجتمع من جهة أخرى.

في هذا الصّدد يمكن لسلطاتنا المحليّة أن تطرق أبواب مؤسّسات أقيمت لدعم المشاريع الثّقافيّة، مثل منظّمة الأمم المتّحدة للتّربية والعلم والثّقافة، اليونسكو، التي تأسّست في العام 1945 بهدف فتح قنوات مع دول شعوب العالم للتّواصل الحضاريّ والثّقافيّ. هذه المحاولة من جهة حُكمنا المحليّ ستعود بالفائدة لما فيه خير ومصلحة حركتنا الثّقافيّة ودفعها نحو الأمثل.

بودّي في هذه العجالة أن أسجّل إلى أصحاب الشّأن بعض الملاحظات والنّقاط التي أراها تخدم طرحنا، وهي كالتّالي:

 – 1إعداد برنامج للشّؤون الثّقافيّة والفنيّة بشكل مهنيّ ومدروس، بمشاركة متخصّصين في هذا المجال، وتشكيل آليّات عمل  لتنفيذ البرنامج.

 – 2المشاركة مع دول العالم في احتفالات “يوم الشّعر العالميّ، يوم اللّغة العربيّة ويوم الموسيقى”.

  – 3تخصيص ميزانيّات لتشجيع المطالعة في مدارسنا، والعمل على إقامة محاضرات أدبيّة وفعاليّات تثقيفيّة لطلاّبنا وطالباتنا من مختلف الأعمار.

  – 4تنشيط الحياة الثّقافيّة في النّوادي والمؤسّسات العامّة، وفتحها أمام العديد من الفعاليّات الثّقافيّة والفنيّة، بشكل تُصبح فيه عادة أسبوعيّة ضروريّة وليست حدثًا عابرًا.

  -5المشاركة الفعّالة في شهر الثّقافة الفلسطينيّة.

بناءً على ما تقدّم، فإنّنا ندرك أهمّيّة الثّقافة ودورها الحضاريّ والإنسانيّ في حياة الشّعوب. كما ندرك أنه بات من الضّروريّ أن يضع الحكم المحلّيّ في مدننا وقرانا العربيّة الثّقافة بشكل متوازِ تمامًا مع اهتمامه بالمشاريع الهندسيّة التّطويريّة مثلاً، خاصة وأنّها تُعتبر، وفق الكثير من الكتّاب والدّارسين، مُهَنْدِسة للنّفس البشريّة ولا يمكن بدونها أن تخرج المخطّطات والمشاريع في كافة المجالات، بالصّورة المثاليّة المرجوّة.

المجتمع الذي لا يطوّر ثقافته ولا يحضن مثقّفيه، هو مجتمع من السّهل تضليله.

المجتمع الذي لا يصبح الكِتاب فيه جزءًا من حياة الفرد وحياة البيت، هو مجتمع يعيش في العتمة. المعرفة اليوم هي  قوّة ورُقيّ حضاريّ، وهي انعكاس لنوعيّة العلاقات التي تجمع بين أبناء المجتمع الواحد بكل ألوانه وأطيافه، فتجسّد حلمه الإنسانيّ بمشروع مستقبل ثقافيّ، علميّ وحضاري يساهم فيه في الابداع والتّطور، وليس في التّلقي والتّقليد!

نأمل من سُلطاتنا العربيّة المحليّة التي فازت مؤخّرًا بثقة الجمهور أن تولي الجانب الثّقافيّ العناية التي تستحقّها ثقافتنا ويحتاجها مثقّفونا ومجتمعنا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *