5كلمة حرة

رحلة الإسراء والمعراج – الحلقة الأولى

بسم الله الرحمن الرحيم – الحمد لله الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى ، الحمد لله الذي بين لعباده طريق الهدى، وحذرهم من سبل الضلال والغوا، وأصلي وأسلم على نبي الرحمة والهدى الذي أرشد أمته لطريق الحق والرضى، وحذرهم من اتباع الشيطان والهوى، فصلوات ربي وسلامه عليه، وعلى آله وأصحابه أهل الخير والتقى .

1

أما بعد  استمر الحصار الرهيب” الذي فرضته قريش على “بني هاشم” و”بني المطلب” ممن يقفون مع النبي – صلى الله عليه وسلم- سواء من أسلم منهم أو لم , ثلاث سنوات ، عانى منه النبي – صلى الله عليه وسلم – ومن معه أشد المعاناة حتى أكل الصحابة ورق الشجر، ثم قضى الله- تعالى- أن ينفك هذا الحصار غير الإنساني بفضل بعض رجال قريش من ذوي النخوة والمروءة .

وفى أثناء تلك الفترة للحصار الشديد فقد النبي – صلى الله عليه وسلم – عمه “أبا طالب”، الذي كان  له نعم العون والنصير، حيث وقف  إلى جواره عشر سنوات يدافع عنه ويحميه ، ويرد عنه أذى المشركين ، كل ذلك وهو على دينه لم يدخل في الإسلام ، فشعر النبي – صلى الله عليه وسلم- بالحزن الشديد ، وما كاد النبي يتخلص من الحزن والألم ويتعزى بالصبر، حتى ماتت زوجته أم المؤمنين “خديجة بنت خويلد” التي آمنت به ونصرته ، وأيدته بكل ما تملك. وكان المصاب شديدًا على النبي صلى الله وعليه وسلم  ، حيث فقد في عام واحد – العام العاشر من البعثة – اثنين من أشد المعاونين له والمناصرين لدعوته .

وهنا رغب النبي صلى الله وعليه وسلم  في نشر الدعوة خارج “مكة المكرمة ” لعله يجد نصيرًا له ومؤيدًا ، فقرر الذهاب إلى “الطائف” لعرض الإسلام على ” ثقيف ” لعلها تؤمن بدعوته ، لكن النبي – صلى الله عليه وسلم- وجد أهل ” ثقيف في الطائف” أكثر عنادًا من ” قريش في مكة المكرمة”  ، فرفضوا دعوته ، ولم يتوقفوا عند ذلك ، بل سبوه وأهانوه ، وسلطوا عليه السفهاء والصبيان ، فضربوه بالحجارة حتى دميت قدماه الشريفتان ، وكان وقع ذلك شديدًا على النبي – صلى الله عليه وسلم- وما كاد يلتقط أنفاسه ، ويبتعد عن الطائف حتى لجأ إلى الله بالدعاء في حرارة قائلاً :عن عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما ” اللهم إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس يا أرحم الراحمين، أنت ربُّ المستضعفين، وأنت ربِّي، إلى من تكلني إلى بعيد يتجهمني، أم إلى عدوٍّ ملكته أمري؟ إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي، ولك العتبى حتى ترضى، ولكن عافيتَك هي أوسعُ لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، من أن تنزل بي غضبك أو يحلَّ عليَّ سخطك، ولا حول ولا وقوة إلا بك”

إن كان أهل الأرض لم يعرفوا قدرك          فإن أهل السماء قد عرفوك

 وبعد أن انتهى الرسول – صلى الله عليه وسلم- من دعائه نزل إليه “جبريل” – عليه السلام- ومعه ملك الجبال الذي قال له :” إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين (وهما جبلان في مكة) – فعلت “.

 لكن النبي – صلى الله عليه وسلم- رفض ذلك ، وقال: ” بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله لا يشرك به شيئا” . ودعا لهم قائلاً: ” اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون ” . فقال قولةً عبَّرت عن رحمته الفياضة، وعن خُلُقه العظيم. وعاد النبي – صلى الله عليه وسلم- إلى ” مكة المكرمة ” حزينًا لما لاقاه  من أهل ” ثقيف في الطائف”، وكان يرجو لهم الخير، ويود لو أنهم أسلموا ، حتى ينقذوا أنفسهم من الشرك ومن العذاب في الآخرة، لكنهم أصروا على كفرهم ، وعدم سماع كلمة الحق .

 وفى هذا الجو الذي بدا قاتمًا حزينًا بعد موت ” أبى طالب” وأم المؤمنين”خديجة بنت خويلد” ، وما لقيه النبي- صلى الله عليه وسلم- من أهل ثقيف في الطائف ، ووسط هذه الآلام النفسية الرهيبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم واساه ربه فدعاه إلى أعجب رحلة عرفت في تاريخ البشرية ليخفف عنه عناء ما لاقى ، وأن يسري عنه وأن يطمئنه ، ليعرف قدره عند ربه، ويثبت بها فؤاده ولتكون بمثابة ترويح عما لاقاه في سبيل دعوته، وهي رحلة الإسراء والمعراج  فأسرى به إلى المسجد الأقصى ، وعرج به إلى السماء ، قال تعالى :”سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ (1)” (الإسراء)

كان النبي – صلى الله عليه وسلم- في بيت ” أم هانئ بنت أبي طالب” فجاءه “جبريل” – عليه السلام- ومعه “البراق”- دابة أصغر من البغل وأكبر من الحمار فكانت تضع حافرها عند منتهى طرفها – فأخذه إلى بيت المقدس ، حيث وجد الأنبياء جميعًا في استقباله، وفيهم “إبراهيم” و”موسى”و “عيسى” – عليهم السلام- فصلى بهم إمامًا ركعتين في المسجد الأقصى، وفى هذا إشارة إلى أن الإسلام هو كلمة الله الأخيرة إلى خلقه ، وأنه خاتم الديانات السماوية . و صلاة النبي عليه الصلاة والسلام بالأنبياء إماما لهم دليل ولها دلالة أن النبوة والرسالة قد انقطعت فلا نبوة بعد رسول الله عليه الصلاة والسلام ولا رسالة :   ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين   [الأحزاب:40]. وقيل ثم أتي بإناءين في أحدهما خمر وفي الآخر لبن ، فأخذت إناء اللبن فشربت منه ، فقال جبريل عليه السلام : هُديت للفطرة وهديت أمتك يا محمد  أي تمسَّكْتَ بالدين .

 الإسراء: هي رحلة أرضية تمت بقدرة الله عز وجل لرسول الله عليه الصلاة والسلام من مكة المكرمة إلى بيت المقدس. ويرى الشيخ محمد متولى الشعراوى أن الإسراء والمعراج كانتا بالروح والجسد.

بقلم المربي الشيخ أبو عكرمة الطيباوي

‫3 تعليقات

  1. سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ (1)” اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد خاتم الانبياء والمرسلين .

  2. بارك الله فيك يا ابا عكرمه , وان الاسلوب جميل والقراءه ممتعه (حلو)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *