هذه طيبتي

الجمعية العامة تعتبر فلسطين دولة – بقلم: د. حنا عيسى

درج الاعتقاد العام برسوخ مذهل على أن القانون الدولي العام يشترط لقيام الدولة اجتماع ثلاثة عناصر على الأقل: الشعب و الإقليم و السيادة أو الاستقلال، ولا يبقى الخلاف قائما إلا حول هذه العناصر، بالإضافة إلى الجدل بشان الصفة الإنشائية أو المقرة للواقع للاعتراف الدولي. لكن الفحص الدقيق لمسالة (الدولة) يكشف لنا أن الاعتقاد العام يركز بالأساس على اتفاق الفقهاء و المدارس على العناصر المكونة للدولة بينما لا نجد اثر يجسم هذه المسالة بصفة قطعية في إطار القانون الوضعي.

ففي حين يذهب الفقيه شارل روسو بشئ من الحذر و الشك إلى انه يبدو إن القانون الدولي الايجابي كرس التعريف التقليدي للدولة تبعا لمكوناتها الثلاثة ويؤكد العالم الروسي تونكين أن الكلمة “دولة” لم يقع البتة تعريفها في إيه وثيقة دولية، ولا حاجة إلى تعريفها, أما شبطاي دوزان فأنة يستشهد بجورج سال قائلا انه “بالرغم من إن القانون الدولي يتعلق بالدول فانه لم يوفق البتة في تعريف مفهوم “الدولة”.

من ثم فان النظر في دولة فلسطين لا يمكن البتة أن يقتصر على البحث عن اجتماع مكونات الدولة في التعريف التقليدي بل يجب أن ينطلق من الممارسة العملية للدول منفردة أو في نطاق المنظمات الدولية. ولا نعتقد بان الدول التي اعترفت بفلسطين كدولة هي الدول لا تحترم القانون أو تجهله أو تتاجهله بل نجد أن توالي الاعترافات وتعددها وتراكمها ينم عن قناعتها بان الدولة ليست مجرد اجتماع ثلاثة مكونات أقرتها النظريات المتواترة, ولا أدل على ذلك إلا ما وصل إليه هانس كنلسن (جامعة بلاكلاي)عندما يقول انه “لمعرفة الدولة دون صبغة إيديولوجية و بالتالي استبعاد كل ما هو ميتا فيزيقي أو رمزي أو صوفي ليس هناك إلا طريقة واحدة تتناول هذا الكيان وان تدركها “كنظام للسلوك البشري”.

ومهما يكن من أمر فان منظمة الأمم المتحدة لم تقيد نفسها لا بشان فلسطين ولا بشان غيرها من الكيانات التي سبقتها في نفس الوضع مثل الهند وغينيا يساو في السبعينات بالتعريف الفقهي للدولة بل عملت على إقرار ما تأكد في إدراكها وقناعاتها طبقا لممارستها لمتواصلة كلما اعترضتها هذه الحالات.

وبحصول القرار 43/177(أ-43/3دل) على الأغلبية تعتبر الجمعية العامة على الأقل فيما يخصها, فلسطين دولة و بإقرارها استعمال (فلسطين) بدلا من تسمية (منظمة التحرير الفلسطينية) ووظائفها في المنظمة تجعل الجمعية العامة من فلسطين دولة مراقبة لا تتمتع بحقوق العضوية في المنظمة.فهي دولة غير عضو تشارك مشاركة الدولة غير العضو في أعمال المنظمة, غير انه زيادة على ما يقره المركز القانوني للدولة المراقبة غير العضو في المنظمة تواصل فلسطين, بمقتضى حلولها محل منظمة التحرير الفلسطينية, في تمتعها بما اكتسبته منظمة التحرير الفلسطينية من حقوق المشاركة و التمثيل في المنظمة.

وباعتبارها فلسطين دولة في نظر الأمم المتحدة بناء على القرار 43/177(الفقرة الأولى من أحكام القرار)و باعتبارها تحل محل منظمة التحرير الفلسطينية في منظمة الأمم المتحدة دون المساس تقر الجمعية العامة للأمم المتحدة صفة المراقب لدولة فلسطين المعلنة في 15 نوفمبر/1988 وبالتالي فان فلسطين تتمتع أولا بمركز الدولة غير العضو في المنظمة على مستوى المشاركة و التمثيل وتحتفظ ثانيا بالامتيازات التي تحصلت عليها منظمة التحرير الفلسطينية دوال فترة تواجدها في الأمم المتحدة.

وبما أن فلسطين “تجمعه بين صفتين كدولة, على الأقل بالنسبة للأمم المتحدة في تعاملها معها –وصفة منظمة تحرير وطنية نظرا لأنها تناضل لتحرير وطنها, وتتمتع فلسطين بمحتوى حقوق الصفتين تيسر منظمة الأمم المتحدة تحقيق المبادئ و الأهداف التي أنشأت من اجلها و “خاصة منها حق الشعوب في تقرير المصير ” وإرسال السلم و الأمن على الساحة الدولية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *