طيبيون وطيبيات

هذه طيبتي: الاسكافي الاخير في مدينة الطيبة

عمره ثمانية وسبعون عاما، وروحه لا تتجاوز الثلاثين. بفضل تراكم السنين، صار سميح الشيخ علي (ابو بسام)، مرجعا لكل صغيرة وكبيرة، فهو مطلع على اجتماعيات الطيبة منذ القدم وهو راصد بارع للأحداث السياسية ويفسرها بحنكة الخبير المتمرس بخفايا الامور.

يعرف محله كل طيباوي فقد كان في الماضي مقصدا يزدحم فيه الزبائن قبيل حلول العيد وقبيل بداية السنة الدراسية. في هذه المناسبات كان الاهالي يدأبون على “تفصيل” حذاء جديد لأولادهم للمدرسة او للعيد. وكانت الاحذية المصنوعة يدويا عند ابو بسام تعرف بمتانتها لدرجة انها تنتقل في الاسرة من الكبير الى الصغير شأنها شأن الميراث كالبيت والارض قبل ان تتلف.

حكاية الاسكافي سميح الشيخ علي (ابو بسام) طويلة بطول سنين ممارسته لهذه المهنة التي تعلمها من خاله ابو سليم الذي هاجر قبل عشرات السنين الى العراق ثم عاد بعذ ذلك ليسكن في طولكرم.

هو نفس المحل وهو نفس الشخص، انها نفس الماكينة ونفس المطرقة، وحتى المروحة المثبتة على الرف تعمل كبندول الساعة في ذات المكان منذ سنوات وسنوات. في المحل نرى التاريخ بالعين المجردة، نتأمله في الصور المنتشرة على الجدران، وعلى الرفوف المليئة ببقايا الزمن، اينما وقعت عيناك هنا تجد صفحة من السيرة الذاتية لهذا المكان.

في الماضي كان محل ابو بسام ملتقى للأصدقاء، وكان يؤدي دور النادي الذي يجتمع فيه اصحاب القاسم المشترك من كل الفئات ومن كل التيارات، هنا كان يدور النقاش ومن هنا صدر الكثير من فتاوى السياسة المحلية.

مهنة الاسكافي في الطيبة في طريقها الى الزوال، الاسكافي الوحيد الذي لا يزال يصارع من اجل ابقاء هذه المهنة فوق سطح الماء، هو ابو بسام بعد ان كان في الطيبة خلال سنوات السبعينيات اكثر من عشرة اشخاص يتخذون من هذه المهنة مصدر رزق لهم.

من يتعرف على تفاصيل حكاية ابو بسام، يمكنه التقدم لامتحان بموضوع تاريخ الطيبة بثلاث وحدات على الاقل. لأن التاريخ لا يقاس بتعدد الاحداث بقدر ما يقاس احيانا بعمقها وثبات نتائجها.

ابو بسام يعتبر آخر الوجوه التي ارتبطت “الحارة” بها، بعد ان غابت عنها اسماء وشخصيات كانت في الماضي القريب جزءا من هذا الشارع الممتد من مقهى ابو الدسوقي وحتى الجامع. انه الشارع الذي يختزل تاريخ الطيبة، الشارع الذي كان مركزا للقرية وكل حجر فيه له قيمة كبرى فما بالك أن تكون صاحب محل بأكمله على هذا الشارع.

كبار السن من اهل هذا البلد يتذكرون كل ركن من اركان هذا الشارع الهام، فهنا كان محل الحلويات “الحلونجي” قبالة مقهى ابو الدسوقي، وهنا كانت مكتبة محمد عواد قبالة محددة ابو المهنا، وهنا كان ابو علي الشريم يعد الحمص والفول، وهنا كان الاسكافي الآخر حسني الشيخ علي (شقيق ابو بسام) مجاورا لمحل شقيقه، وهنا كان مطعم ابو علي الحنون، وهنا محل امين التلاوي لبيع الكاز وهنا كان محل الحاج مصطفى، وهنا كان محل تحسين شيخ علي، وهنا كان ابو محمود الذيب يدير مقهى “ابو الذيب” ومعه شقيقه ابو علي، هذا الشارع عبارة عن الشريان الرئيس للطيبة، منه تمر كل سيارات الطيبة واليه يتجه كل اهالي بلدنا في كل ما يحتاجونه وفيه يلتقي كل رجال طيبتنا.

لهذا فإن ابو بسام من القلائل الذين بقوا في مكانهم محافظين على الاصالة رغم ثقل السنين، فطوبى له وأمد الله في عمره، وكل عام وانتم بخير !

‫3 تعليقات

  1. مهنة تاريخيه ونادرا ما ندها اليوم اقول لابا بسام موفق وانت تعتبر رمزا من رموز الطيبه

  2. ابو بسام شقيقي ولكنه صديقي قبل أي شيء آخر . وكما يعرف الجميع فأنا عملت مدرسا للغة الإنجليزية في ثانوية الطيبة 39 سنه علمت الكثيرين وتعلمت من الكثيرين ولكن اهم ما يتعلمه الإنسان في حياته الوطنية وحب الناس والشجاعة والكرم وحسن الضيافة وحب الدراسة والإطلاع والقراءة والمشاركة في جميع المناسبات الوطنية والفعاليات الوطنية والقومية والمحافظة على العهد والإلتزام بالمبدأ وعدم السقوط في الإغراءات الشخصية والتسلق من اجل منافع شخصية والوقوف مع الحق واهمها الوقوف اجانب شعبنا الفلسطيني من اجل نيل حقوقه المشروعة في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف. هذا هو ابو بسام استاذي ومدرسي لكل هذه المواضيع التي لم اتعلمها لا في جامعات اسرائيل ولا اوروبا بل تعلمتها في ذلك الدكان الصغير الذي لم يتغير فيه شيء منذ 70 سنة على الأقل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *