هذه طيبتي

لا عجائب ولا أخبار – بقلم: نضال محمد وتد

لا بد أن أعترف أمام القارئ أنه لم يعد هناك ما يمكن أن نعتبره عندنا من العجائب ولا العجب العجاب … إذ يبدو أننا أحيانا ( وأعني الكتاب، وللدقة بعضنا) نحلق بعيدا عما يدور على الأرض، ولا نفقه ولا نعي ما يدور في خلد الناس… وإلا كيف تصبح العجيبة والغريبة من الأمور روتينا يمر عنها الناس مر الكرام؟ كيف نستهل رمضان بإفطار يسطع فيه نجم ريفلين ونختمه في العشر الأواخر في إفطار لثعلب السياسة الإسرائيلية شمعون بيرس، الأب الروحي ومغذي فكرة الخطر الديمغرافي دون أن يرمش لأحد جفن أو حتى أن “يرفع أحد حاجبيه مستغربا…

هل صار أضعف الإيمان اليوم عملة مفقودة ونادرة! أبهذه السهولة يرتع ريفلين وبيرس في موائد رمضانية، ويصلي رجال الدين وأئمته في غرفة لياقة لشرطة بيتح تكفا، ساعات بعد اقتحام مسجد في مدينة عربية مجاورة.. أليس من المفروض أن تكون مثل هذه الأخبار من العجائب .. ولكن يبدو أن كل العجائب صارت في إسرائيل طبيعية ولم تعد عجيبة: فيمكن للشيخ أن يرفع الآذان على مسامع بيرس في مقر الرئاسة المقام أصلا على خربة فلسطينية في القدس، ويقال إن مكان المقر كان يوما مسجدا، ويمكن للشيخ والإمام ورئيس المجلس أن يزاحم ابن قريته على مكان للصلاة في قاعة تدريب أفراد شرطة بيتح تكفا دون أن ير في ذلك حرجا، لكنه قد  يرى حرجا كبيرا في استنكار اقتحام الشرطة التي أكل على مائدتها “إفطارا رمضانيا” لمسجد في مدينة في المثلث.

ماذا بقي لنا كي نعتبره عجيبة ، هل نعتبر السكوت والمرور مر الكرام على هدم قرية العراقيب للمرة الواحد والأربعين، ومرة أخرى في العشر الأواخر من رمضان أمرا عاديا! فالعجيبة كما يقول العارفون ببطونها تظهر مرة كل مائة عام وأحيانا، ومنذ ابتعد الناس عن الدين والروحانيات قد تمر عدة قرون حتى نرى عجيبة، وإن كان الدين ينهى ولا يقول بالعجائب التي يعتبرها رجال الفقه،لا علماء السلاطين، ولا فرق بين سلطنة بيرس هنا أم سلطنة عمان كلها خزعبلات وضلالات معاذ الله وقد جاء في الحديث “كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار”.

أم أن العجيبة التي يمكن لنا مع ذلك أن نعتبرها عجيبة هي أن تجد من يؤيد نظام الأسد مثلا (لأنه وطني) وفي الوقت ذاته يرمي بروحه على نظام عباس وهو النقيض لكل ما يسمى بالممانعة. وقد تكون العجيبة أن تدافع عن نظام بشار وتقول إنك تدافع عن سوريا العروبة، ثم تكاتف في تل أبيب من يدعو باسم حزبك التقدمي إلى إسقاط نظام بشار .. هذه هي العجيبة حقا أن تجد في الأحزاب العربية هنا، في نفس الحزب هذا التناقض أناس يؤيدون بشار ويؤيدون عباس في الوقت ذاته، ولكن لا عجب في ذلك فقد سبق لبعضهم أن أيد دحلان ومبارك خلال الحرب على غزة ثم أسرع يلتقط الصور الأيفونية في لقاءات المصالحة، في القاهرة، معانقا رجال غزة بعد أن اتهمهم بالظلاميين والانقلابيين …

ولكن بما أن هذه كلها باتت من صغائر الأمور ولم تعد عجيبة أو غريبة فلأبحثن عن عجيبة جديدة ومعجزة لعلي أنقذ بها توقعاتي في المقال الذي كتبته في أول رمضان داعيا إلى الاستعداد لعجائب الأخبار…. هل أصرخ وأقول وجدتها… وجدتها… فالعجيبة أن يدخل عربي جديد إلى الكنيست مكان ديختر ويتمنى لديختر النجاح في عمله (وزيرا للجبهة الداخلية)  ويقول بصراحة ما يفكر به ولا يدعي أنه أبو الوطنية أو القومية أو التقدمية أو الدين والديانة بل يفتخر بكل بساطة بزعامة موفاز لأنه انتخب بصورة ديمقراطية… أوليست هذه عجيبة.. فالرجل سيعمل وفق ما يؤمن به ولا يعتزم أن يثقل بريدنا الالكتروني برسائل عن العبور والانتصار وعدم الانتظار في المطار، ولن يقول كغيره إنه تمكن بكل بساطة أن يحدد ثمنا لكرامة العربي طبقا لدرجة التشليح التي تعرض لها في المطار.. وكل عام وأنتم بخير…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *