كلمة حرة

همسة عتاب: الاطفال وأرق الليل في رمضان

نعيش طوال ايام السنة ننتظر الاجواء الحميمة واللطيفة والجميلة التي تأتينا مع حلول الشهر الفضيل من كل عام، لأن رمضان ليس كباقي الاشهر، فالعائلة تصبح كتلة واحدة متراصة والأشقاء اكثر قربا والجيران أكثر لطفا، وتفتح الموائد الرمضانية المشتركة وتتكثف الزيارات والسهر والسمر.

لرمضان تأثير لا يمكن تفسيره بكلمات ولا بعبارات ولا حتى بأبحاث مستفيضة، لأنه يحمل الينا احاسيس لا نشعر بها مهما حاولنا خلال بقية ايام السنة، وذلك بغض النظر عن الميول الشخصية لكل منا، سواء كان متدينا او متزمتا او حتى متصالحا مع نفسه بعيدا عن الدين.

الكل ينتظر هذا الشهر والكل يستعد له والكل يبتهج بحلوله ويرسل بطاقات التهاني لكل عزيز عليه، وما اجمل البيوت حين تزدان بمصابيح البهجة وكأننا نعوض ما ينقصنا من بهجة قومية نزين بها بيوتنا ببهجة رمضان التي لا احد يستطيع ان يأخذها علينا.

ولا بد ان اهالي الطيبة لاحظوا بعض التغيرات على السلوك الديني الذي كان سائدا خلال رمضان الماضي وأخص بالذكر التلاوات القرآنية المتواصلة خلال ساعات الليل عبر مكبرات الصوت في المساجد، الامر الذي لا نلاحظه خلال رمضان الجاري. وهذه برأيي خطوة تستحق الثناء.

ومع ذلك لا يزال هناك من يعتقد ان رمضان شهر السهر المتواصل وعلى المرء خلاله التوقف عن مزاولة أي شيء والتفرغ خلال النهار والليل للتعبد فقط تاركا مصالحه وأمور اسرته تسير على غير هدى حتى تتعثر وتنهار.

المقصود هنا هو ما يجري عند السحور من فوضى وضجيج بلا معنى تحت اسم “المسحراتي” الذي يصلح ان نطلق عليه أي تسمية أخرى سوى انه “مسحراتي” حقا.

منذ متى اصبحت السيارات التي تطلق صافراتها وتجوب الشوارع وقت السحور نوعا من انواع “المسحراتي”؟ وكيف لي ان افيق لأتعبد على موسيقى اغنية لسريت حداد التي تصم الآذان في سكون الليل تنبعث من مكبرات الصوت لسيارة “رخيصة” بكل معنى الكلمة ؟

مشاهد السيارات التي تتجول في مثل هذا الوقت في شوارع الطيبة وصوت الموسيقى يصدح بلا خجل في الثالثة والنصف من الفجر على اعتبار ان الناس بحاجة لمن يوقظهم في هذه اللحظة بالذات، لهو من القبح ما يجعلنا نبدو ابعد ما يمكن عن الدين الاسلامي بهذه المظاهر الغريبة عن ديننا وعن مجتمعنا وعن تقاليدنا كأهل بلد نعيش معا.

وبعد تناول السحور ومحاولة النوم من جديد، يعود قرع الطبول مجددا تحت نافذة منزلك مع ان الجميع سمع المؤذن يعلن الامساك، تطل عبر النافذة لاستطلاع الأمر، فتجد صبية تسللوا من بيوتهم بعد ان عاد ذووهم الى النوم وحملوا ادواتهم التي اعدوها منذ مساء الأمس، وراحوا يتجولون في الحي محدثين ضجيجا بطبولهم لا يحتمل ظنا منهم ان مثل هذا العمل مباح في رمضان.

في المرة الاولى تبتسم وتسعد بفرحة الاطفال وتغفر لهم بهجتهم على هذا النحو بالشهر الكريم، وتدعو الله ان يزيدهم تمسكا بديننا وبشعائره، ولكن مع مرور الايام وتكرار المشهد يتحول هذا المنوال الى ازعاج في غير محله. ويتحول الليل الى ساعة او بضعها للنوم فقط، وهذا ما لم تحمله الينا رسالة رمضان التي ابلغنا اياها رسولنا الكريم. وكل رمضان وانتم بخير!!!

مع تحيات اختكم : ام سامي

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *