كلمة حرة

آسف للجميع لغياب ثقافة الاعتذار

الى سائق الاجرة الذي اختلفت معه حول قيمة المشوار، ومضى دون ان يأخذ اجرته، آسف يا صديقي وآمل ان يصلك اعتذاري وانت هناك في بلدك البعيد.

لم يكتف نبي الله صلى الله عليه وسلم بأن يخرج بطنه اعتذارا للكزته من صاحبه ليقتص منه بل قال “اللهم ايما مؤمن سببته، فاجعل ذلك له طهورا”. عمر بن الخطاب من على المنبر يعتذر عن عزله خالد بن الوليد. ومن قبلهم قال اخوة يوسف “يا ابانا استغفر لنا ذنوبنا انا كنا خاطئين”.

الاعتذار ثقافة عالمية: امبراطور اليابان، ثم الرئيس الامريكي نيكسون، ومن بعده الرئيس الامريكي الآخر كلينتون، اعتذروا لشعوبهم. اما الشعوب العربية فتفيق على اعتذار “انا فهمتكم… فهمت الجميع” كما قالها الرئيس التونسي السابق – بن علي، بعد ان ادركه الغرق.

وفي الطرقات نلاحظ احيانا لافتات تعتذر للمارة او للمواطنين. جميلة هي الاعتذارات، وقاسية عندما تنكأ ذات الجرح وتعيد ذات الخطأ.

مع السنوات ادركت ان الاعتذار لا يسقط الهيبة، اجمل الاعتذارات ما كان في موقع القوة ان تعتذر لطفلك لزوجك او لعاملك او لتلميذك او لشعبك… ان تعتذر لنفسك.

بشجاعة يخرج الرياضي ليعتذر لزميله او رئيس النادي ليعتذر لجمهوره، لكن هناك من الكراسي ما تتعالى وتترفع عن الاعتذار، تحل الكوارث بعامة الناس والذي يملك القرار ويجلس على كرسي المسؤولية لا يتمتع بشجاعة الاعتذار. نتذكر النكبة والنكسة واعواما أخرى، ويغيب الجاني وعلى الشعوب ان تتحمل الاخطاء دون سواها.

آسف لك يا ربي عن كل موقف وجدتني فيه اتستر عن عبادك، اسف لك والدي… ترحل فجأة دون ان اودعك وأظل العمر كله متأخرا عن الكمال الذي اردته لي. آسف لك امي عن انتظار وقفتيه خلف الباب متى اعود، وفي كل مرة آتي متأخرا عن فرحتك. آسف لك صغيرتي تكبرين فجأة وانا البعيد عنك، آسف لزوجتي التي انتظرت سماع كلمة جميلة فنامت منهكة قبلها.

آسف للسائق الذي لوحت له بيدي اثناء جدالي معه على حق المرور في الشارع، آسف للصديق الذي صدقت ما سمعت عنه وأدركت لاحقا ان الاقوال تأتي احيانا عارية عن الصحة، آسف لأستاذي الذي علمني الحرف الاول وكبرت دون ان اقول له شكرا. آسف لتلميذي الذي اخرجته من الدرس وآسف لتلميذي الآخر الذي لاقاني في الشارع وكان حماسه للقائي اكبر من حضوري البارد.

آسف للصديق الذي لم استطع مساعدته، آسف لقول قلته دون تمحيص ولفعل عملته دون تركيز، آسف لشعب كان صوتي دون طموحه دون تطلعاته، آسف لتأخري في الاعتذار، وأن آتي معتذرا خير من ان احمل اخطائي ثقيلة في قلبي.

آسف عن آسف قلتها ولا تحمل مثلث التوبة: الندم والعزم على التصحيح وتحمل المسؤولية. مرة أخرى آسف يا صديقي سائق الاجرة.

من: الشيخ سلمان العودة

‫2 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *