كلمة حرة

همسة عتاب: عروستنا الحلوة يا نيسانة حلوة

هكذا تغنت السيدة فيروز بالعروس، حبا لها وإجلالا ليومها وسعادة بفرحها ومناصرة لكبريائها في يومها، يوم تكون هي الملكة وكل من حولها خدم وجواري، يوم تملك العالم بين يديها لأنها العروس المعززة المكرمة الجميلة في أبهى صورة لها وسط اعز الناس على قلبها، إنها العروس التي تبلغ ذروة حياتها في هذا اليوم بعد أن استعدت له في خيالها وواقعها منذ صغرها لتدخل الحياة بأرقى طريقة وبأفضل مظهر وبأسعد حال كي تحمل ذكريات هذا اليوم ما بقيت حية.

 من لم يعرف قيمة هذا اليوم بالنسبة للعروس لا يمكنه التظاهر بأنه صاحب خبرة حياتية، ولا يحق له التدخل في إدارة شؤون عروس، حتى لو كانت ابنته أو عروسه. هذا اليوم اكبر بكثير من أن يتصرف به شخص يتدرب على الحياة في أول فصولها، أو أن يتلعثم في إجراءاته غشيم لم يدرك من حياته سوى بعض العبارات المهترئة التي حفظها عن ظهر قلب دون فهم.

حديثي هنا عن العروس التي أكاد أضعها بمنزلة قديسة في يوم زفافها، فلماذا يستعيض عنها الآباء بوعاء يضعه على طاولة فيمر الرجال ويسقط كل منهم ظرفا فيه مائة شيكل أو اقل ؟ لماذا يسمح الأب لنفسه أن يتحول إلى شحاذ في أبهى أيام ابنته التي تريد التفاخر أمام البشر جميعا بأنها عروس جميلة تستحق الفرح والابتسامة والتبريكات وتستحق أن يرقص كل منا تحت أقدامها، فهي عروستنا عروس هذه العائلة التي استعدت لتسعدها، وفجأة يأتي الرجال ويجلس الرجال ويتباحث الرجال ويستل كل منهم ظرفه المعد مسبقا ويسقطه في مزهرية أعدت خصيصا لهذا الغرض ويغادر الرجال وهم يرددون “مبروك”. هل هناك إهانة اقسى من هذه الإهانة للأب وللعروس ؟

إلى متى سنواصل إتباع هذا التقليد المقيت المكروه والمهين الذي يطلق عليه “طلعة العروس”. عن أي عروس وعن أي طلعة تتحدثون؟ إنها عملية مهينة للعروس وللعريس ولوالد العروس وللمدعوين كذلك. إنها حيلة لجمع المال على حساب العروس، وهذا تلفيق لا يمكن أن يقبله الأب الرصين ذو الكبرياء ولا الأخ الفخور ذو النفس العزيزة ولا حتى العريس الذي يملك ما يكفيه من احترام الذات.

هذا تقليد أكل عليه الدهر وشرب وينبغي أن ينسحب من حياتنا الاجتماعية تماما كما انقرض المهر المبالغ فيه من الزمن القديم.

قد يقول البعض كيف لا أقيم “طلعة عروس” لابنتي وأنا أشارك الناس منذ سنين طلوع بناتهم العرائس؟ مثل هذا الإدعاء تفوح منه رائحة النقود وليس له علاقة بالفرح بتاتا. وإذا كنت تحب ابنتك فعلا وإذا كنت تريد لها أن تكون فخورة بك، فلا تعرضها في المزاد العلني لتجني الشواقل باسمها !

ليس من الصعب علينا التخلص من مثل هذه العادة المهينة تماما كما تخلصنا من الكثير من العادات التي تنتهي صلاحيتها مع مرور الوقت. وللحق أقول اننا نلاحظ مؤخرا الكثير من العائلات التي بدأت تتخلى عن هذه العادة شيئا فشيئا بتخطي تقليد “طلعة العروس” لأنهم أدركوا قدر الإهانة في هذا الجزء من الفرح.

فبعد أن طورنا ثقافتنا في مختلف المجالات ومفاهيمنا أصبحت عصرية إلى ابعد الحدود، لا أرى جدوى من التمسك بهذه العادة البالية التي تحمل إساءة من الدرجة الأولى للعروس في أجمل أيام حياتها.

ولماذا لا نتبع العادات الجميلة التي نلاحظها في بلدات عربية ليست بعيدة عنا. ما المانع أن يتواجد في “طلعة العروس” فقط أهلها المقربون الذين يستقبلون أهل العريس القادمين لاصطحاب العروس إلى بيت العريس؟

أما من يعتقد أن عليه رد “واجب” سابق لوالد العروس، فيمكنه زيادة نقوط العروس في سهرتها من خلال زوجته أو أمه أو أخته وبهذا يكون قد رد “واجبه” تجاه والد العروس.

هل يملك الأب ما يكفي من الجرأة للتخلي عن هذه العادة ؟ وهل يملك الشقيق من الكبرياء ما يكفي لتفادي هذا التسول الذي يطلق عليه “طلعة العروس” ؟ وهل ينتفض العريس لأنفته ويرفض هذا التقليد سواء بإقامته أو موافقة الآخرين على إقامته ؟

ودامت الافراح في دياركم العامرة من اختكم ام سامي

تعليق واحد

  1. موضوع ممتاز
    يوجد العديد من العادات التافه التي يجب ان نتخلص منها وهذه احد العادات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *